[٢٠٦ ـ ٢٠٨] (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨))
(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي : حملته الحمية النفسانية حمية الجاهلية على الإثم لجاجا وأشرا لظهور نفسه حينئذ وزعمه أنه أعلم بما يفعل من ناصحه (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أي : غايته عمق حضيض رتبته التي هو فيها وظلمتها ، فإنّ جهنم معناه : مهوى بعيد العمق مظلمة (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) يبذل نفسه في سلوك سبيل الله طلبا لرضاه (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) أي : في الاستسلام وتسليم الوجوه لله ، إذ معاداة القوى بعضها بعضا ، وعدم موافقتها في التسليم لأمر الله دليل تتبع الشيطان ، وهو يريد أن تستحقوا قهر الله بارتكاب الإسرافات المذمومة لعداوته الغريزية لكم لاختلاف جبلته وجبلتكم ، وقصوره عن نور فطرتكم ، لكونه ناريّ الخلقة لا يطلب منكم إلا أن تكونوا ناريين مثله لا نورانيين. فهو عدوّ في الحقيقة في صورة المحبّ.
[٢٠٩] (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩))
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) عن مقام التسليم لأمر الله (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ) دلائل تجليات الأفعال والصفات (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب يقهركم (حَكِيمٌ) لا يقهر إلا على مقتضى الحكمة ، والحكمة تقتضي قهر المخالف المنازع ، ليعتبر المطيع الموافق ويزيد في الطاعة.
[٢١٠ ـ ٢١٢] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))
(هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : هل ينتظرون (إِلَّا أَنْ) يتجلى (اللهُ فِي ظُلَلٍ) صفات الهوية من جملة تجلّيات الصفات وصور ملائكة القوى السماوية. وقضى في اللوح أمر إهلاكهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيقابل كل امرئ بجزائه أو تزهق إليه بالفناء.
[٢١٣] (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣))