(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) أي : مراتب معدودة بعد الفراغ من الحجّ ، وهو مرتبة الروح والقلب والنفس ، لأن
الواصل إذا رجع ، رجع إلى هذه المراتب وعليه في المراتب الثلاث أن يكون بالله فذلك ذكره (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي : فمن تعجّل إلى حظوظه في مرتبة الروح والقلب فلا إثم عليه إذ الروح والقلب وحظوظهما لا يحجبان ولا يضران. ومعنى التعجل هو أن الحركة إذا كانت بالله كانت أسرع ولا يكون معها لبث ولا وقوف ريثما يظهر القلب أو الروح ويصير حجابا نوريا كما يكون لأصحاب التلوين (وَمَنْ تَأَخَّرَ) إلى الثالث الذي هو مرتبة النفس (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) أي : ذلك الحكم لمن اتقى أن يكون مع حظوظ النفس بالنفس ، فإنّ النفس ألزم لحظها من صاحبيها وحظها أغلظ وأبعد من النور من حظوظهما وسريعا ما تظهر للزوم الطيش والحركة إياها بخلاف صاحبيها وحظها أيضا كثيرا ما يحجب ، وإذا حجب كان حجابه غليظا ظلمانيا فالاحتراز هناك والاحتياط واجب وأولى من الباقيين لأنهما إن ظهرا رقّ حجابهما وسهل زواله ، أو ذلك التخيير لمن اتقى في المراتب الثلاث. (وَاتَّقُوا اللهَ) في المواطن الثلاثة من ظهور الأنانية والآنية حتى تكونوا في الحظوظ به لا بالنفس ولا بالقلب ولا بالروح (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : أنكم محشورون معه تحشرون من اسم إلى اسم حاضرون بحضرته فأنتم على خطر عظيم بخلاف سائر الناس كما ورد في الحديث : «المخلصون على خطر عظيم». وعن النبي صلىاللهعليهوسلم عن الله تعالى : «بشر المذنبين بأني غفور وأنذر الصدّيقين بأني غفور».
[٢٠٤ ـ ٢٠٥] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥))
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) أي : يدّعي المحبّة وهو ألدّ الخصام لكونه في مقام النفس زنديقا ، ولهذا قال : (قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) إذ ليس له قول في الآخرة بالقلب (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ) لإباحته وتزندقه كما ترى عليه أكثر مدّعي المحبة والتوحيد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) أي : هو مفسد ويدّعي محبة الله. وكيف تتأتى له والمحبّ لا يفعل إلا ما يحبّ محبوبه ، والله لا يحبّ ما يفعله فلا يكون صادقا في دعواه ، كما قال الشاعر :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه |
|
هذا قبيح بالفعال بديع |
لو كان حبك صادقا لأطعته |
|
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع |