باستنزالكم إلى بقعة النفس وإخراجكم عن مقرّ القلب. وفتنتهم التي هي عبادة هواها وأصنام لذّاتها أشد من قمع هواها وإماتتها الكلية ، أو محنتكم وابتلاؤكم بها عند استيلائها أشدّ عليكم من القتل الذي هو طمس غرائزكم ومحو استعدادكم بالكلية لزيادة الألم هناك (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الذي هو مقام القلب ، أي : عند الحضور القلبيّ إذا وافقوكم في توجهكم فإنها أعوانكم على السلوك حينئذ (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) وينازعوكم في مطالبهم ويجرّوكم عن جناب القلب ودين الحق إلى مقام النفس ودينهم الذي هو عبادة العجل (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) من تنازعهم ودواعيهم وتعبدهم (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) بتوجه جميعها إلى جناب القدس ومشايعتها للسرّ في التوجه إلى الحق ، ليس للشيطان والهوى فيه نصيب (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ) عليهم إلا العادين المجاوزين عن حدودهم.
[١٩٤] (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤))
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) أي : وقت منعها إياكم عن مقصدكم ودينكم هو بعينه وقت منعكم إياها عن عقوقها حتى ترضى بالوقوف على حدودها ، وشهرها الحرام هو وقت قيامها بحقوقها ، وشهركم الحرام هو وقت الحضور والمراقبة.
[١٩٥] (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ما معكم من العلوم بالعمل بها ولا تدّخروها لوقت آخر عسى لا تدركونه فلا شيء أضرّ من التسويف (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى) تهلكة التفريط وتأخير العمل بالعلم وإنفاقه في مصالح النفس فإنه موجب للحرمان (وَأَحْسِنُوا) أي : وكونوا في عملكم مشاهدين (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المشاهدين في أعمالهم ربّهم ، مخلصين له فيها.
[١٩٦] (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦))
(وَأَتِمُّوا) حجّ توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع المقامات والأحوال ، بالسلوك إلى الله وفي الله ، (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) بمنع كفار النفس الأمّارة إياكم عنهما (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فجاهدوا في الله بسوق هدى النفس وذبحها بفناء كعبة القلب أو عرصة ما تمنى