أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) أي : أكسرتها لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) وهذا الإنكار عبارة عن ظهور النفس بصفاتها وميل القلب إليها ، والتضجّر عن حرمان الحظوظ في الرياضة ، وعدم القناعة بالحقوق.
[٧٢ ـ ٧٦] (قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦))
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) إلى آخره ، اعتذاره في مقام النفس اللوّامة (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتكون أمّارة بالسوء. وقتله بإماتة الغضب والشهوة وسائر الصفات (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) اعتراض لتحنن القلب على النفس و (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) تذكير وتعبير روحي و (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ) إلى آخره ، اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف ، وكلها من التلوينات عند كون النفس لوّامة.
[٧٧] (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧))
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) هم القوى البدنية ، واستطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحاني منهم ، أي : بواسطتهم كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك لأن غذاءهما حينئذ كان من فوقهم من الأنوار القدسية والتجليات الجمالية والجلالية والمعارف الإلهية والمعاني الغيبية لا من تحت أرجلهم كما كان قبل خرق السفينة ، وقتل الغلام بالرياضة والقوى والحواس مانعة من ذلك لا ممدة ، بل لا تتهيأ إلا بعد نعاسهم وهدوّهم كما قال موسى لأهله : امكثوا. والجدار الذي (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) هو النفس المطمئنة وإنما عبر عنها بالجدار لأنها حدثت بعد قتل النفس الأمّارة وموتها بالرياضة ، فصارت كالجماد غير متحركة بنفسها وإرادتها ، ولشدة ضعفها كادت تهلك ، فعبر عن حالها بإرادة الانقضاض. وإقامته إياها تعديلها بالكمالات الخلقية والفضائل الجميلة بنور القوة النطقية حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل. وقول موسى عليهالسلام : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) تلوين قلبي لا نفسي ، وهو طلب الأجر والثواب باكتساب الفضائل واستعمال الرياضة ، ولهذا أجابه بقوله :