وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) مرّ معنى سجود الملائكة وإباء إبليس.
وقوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) كلام مستأنف ، كأن قائلا قال : ما بال إبليس لم يسجد؟قال : كان من الجنّ ، أي : من القوى البدنية المختفية بالمواد ، فلذلك فسق (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي : لاحتجابه بالمادة ولواحقها.
[٦٠] (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠))
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) ظاهره على ما ذكر في القصص ولا سبيل إلى إنكار المعجزات. وأما باطنه فأن يقال : وإذ قال موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن : (لا أَبْرَحُ) أي : لا أنفك عن السير والمسافرة ، أو لا أزال أسير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أي :ملتقى العالمين : عالم الروح وعالم الجسم ، وهما العذاب والأجاج في صورة الإنسانية ومقام القلب (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أي : أسير مدة طويلة.
[٦١] (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١))
(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) في الصورة الحاضرة الجامعة (نَسِيا حُوتَهُما) وهو الحوت الذي ابتلغ ذا النون عليهالسلام بالنوع لا بالشخص ، لأن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في السفر وقت العزيمة (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) في بحر الجسد حيّا كما كان أو لا (سَرَباً) نقبا واسعا كما قيل : بقي طريقه في البحر منفرجا ، لم ينضم عليه البحر.
[٦٢] (فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢))
(فَلَمَّا جاوَزا) مكان مفارقة الحوت وألقى على موسى النصب والجوع ، ولم ينصب في السفر ولا جاع قبل ذلك على ما حكى ، تذكر الحوت والاغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال : (آتِنا غَداءَنا) لأن حاله ذلك نهارا بالنسبة إلى ما قبله في الرحم (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) هو نصب الولادة ومشقتها.
[٦٣] (قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣))
(قالَ أَرَأَيْتَ) ما عراني (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) أي : النحر للارتضاع (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) لاستغنائنا عنه (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) أي : وما أنساني أن أذكره إلا الشيطان على إبدال أن أذكره من الضمير ، وذلك لأن موسى كان راقدا حين اتخذ الحوت