وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨))
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) الذي هو القاهر فوق عباده (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) واستوجبت قهره بطردهم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) مقتضيات الفطرة الإنسانية فتنزجرون عما تقولون (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي : أنا أدّعي الفضل بالنبوة لا بالغنى وكثرة المال ولا بالاطلاع على الغيب ولا بالملكية حتى تنكروا فضلي بفقدان ذلك (وَلا أَقُولُ) للفقراء المؤمنين الذين تستحقرونهم وتنظرون إليهم بعين الحقارة (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) كما تقولون ، إذ الخير عندي ما عند الله لا المال (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) من الخير مني ومنكم وهو أعرف بقدرهم وخطرهم وما يعلم أحد قدر خيرهم لعظمه (إِنِّي إِذاً) أي : إذ نفيت الخير عنهم أو طردتهم (لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) إلى آخره ، تفسيره على ما دل عليه الظاهر حق يجب الإيمان به وصدق لا بدّ من تصديقه كما جاء في التواريخ من بيان قصة الطوفان وزمانه وكيفيته وكميته.
وأما التأويل فمحتمل بأن يؤوّل الفلك بشريعة نوح التي نجا بها هو ومن آمن معه من قومه كماقال النبي عليه الصلاة والسلام : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق».
والطوفان باستيلاء بحر الهيولى وإهلاك من لم يتجرّد عنها بمتابعة نبيّ وتزكية نفس كما جاء في كلام إدريس النبيّ عليهالسلام ومخاطباته لنفسه ما معناه : إنّ هذه الدنيا بحر مملوء ماء فإن اتخذت سفينة تركبها عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإلا غرقت فيها وهلكت ، فعلى هذا يكون معنى ويصنع الفلك يتخذ شريعة من ألواح الأعمال الصالحة ودسر العلوم التي تنظم بها الأعمال وتحكم.
[٣٨ ـ ٣٩] (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
(وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) كما ترى من عادة الشطّار وذوي الخلاعة المشتهرين بالإباحة يستهزءون بالمتشرّعين والمتقيدين بقيودها (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) بجهلكم (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) عند ظهور وخامة عاقبة كفركم واحتجابكم (كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عند ذلك (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) في الدنيا من هلاك وموت أو مرض وضرّ أو