(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)) (١) ، وفي موضع آخر : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (٢) ، فهذه الآيات دالة على إيمانه ولكن حين لا ينفعه (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) في العاقبة ، فلا يبقى دين غير دين الله بل الكلّ عند الرجوع يدين بدينه.
كلّ يدين بدين الحق لو فطنوا |
|
وليس دين لغير الحق مشروع |
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥))
[٨٥] (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً)
المراد من الإسلام هاهنا : التوحيد الذي هو دين الله في قوله : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) وهو المذكور في الآية التي قبلها ، وما وصف شموله لجميع الأديان ويلزمه الانقياد التام الطوعي المذكور في فاصلة الآية بقوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٣) ، (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) لعدم وصول دينه إلى الحق تعالى لمكان الحجاب (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا باشترائهم أنفسهم وما حجبوا به بالحق.
[٨٦ ـ ٩١] (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) إلى آخره ، أنكر هدايته تعالى لقوم قد هداهم أولا بالنور الاستعدادي إلى الإيمان ، ثم بالنور الإيماني إلى أن عاينوا حقيّة الرسول صلىاللهعليهوسلم وأيقنوا بحيث لم يبق لهم شك ، وانضمّ إليه الاستدلال العقليّ بالبينات ثم ظهرت نفوسهم بعد هذه الشواهد كلها بالعناد واللجاج وحجبت أنوار قلوبهم وعقولهم وأرواحهم الشاهدة ثلاثتها بالحق للحق لشؤم ظلمهم وقوّة استيلاء نفوسهم الأمّارة عليهم الذي هو غاية الظلم ، فقال : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٤٨.
(٢) سورة إبراهيم ، الآية : ٢٢.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٣٣.