(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى) القلب من القوى النفسانية (الْكُفْرَ) الاحتجاب والإنكار والمخالفة (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي : اقتضى من القوّة الروحانية نصرته عليهم في التوجه إلى الله (قالَ الْحَوارِيُّونَ) أي : صفوته وخالصته من الروحانيات المذكورة (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ) بالاستدلال وبالتنوّر بنور الروح (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) مذعنون منقادون (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) من علم التوحيد وفيض النور (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) الحاضرين لك ، المراقبين لأمرك ، أو من الشاهدين على وحدانيتك.
[٥٤ ـ ٥٥] (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥))
(وَمَكَرُوا) أي : الأوهام والخيالات في اغتيال القلب وإهلاكه بأنواع التسويلات (وَمَكَرَ اللهُ) بتغليب الحجج العقلية ، والبراهين القاطعة عن تخيلاتها وتشكيكاتها ورفع عيسى القلب إلى سماء الروح ، وألقى شبهه على النفس ليقع اغتيالهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) إذ غلب مكره. وقال لعيسى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي : قابضك إليّ من بينهم (وَرافِعُكَ إِلَيَ) أي : إلى سماء الروح في جواري (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ) رجز جوار (الَّذِينَ كَفَرُوا) من القوى الخبيثة ومكرهم وخبث صحبتهم (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) من الروحانيين (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من النفسانيات إلى يوم القيامة الكبرى والوصول إلى مقام الوحدة (ثُمَ) يومئذ (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) بالحق (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) قبل الوحدة من التجاذب والتنازع الواقع من القوى. فأقرّ كلا في مقرّه هناك وأعطيه ما يليق به من عندي فيرتفع التخالف والتنازع.
[٥٦ ـ ٥٨] (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨))
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) بالحرمان عن مقام القلب ، والاحتجاب بهيئات أعمالهم (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) من الروحانيات (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من أنواع التزكية والتحلية والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه إلى الحق (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) من الأنوار القدسية والإشراقات الروحية عليهم (وَاللهُ لا يُحِبُ) الذين ينقصون الأجور من الحقوق.