وأما التأويل بغير التطبيق ، فهو أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى عليهالسلام ، فشبّه لهم صورة جسدانية هي مظهر عيسى روح الله عليهالسلام بصورة حقيقة عيسى ، فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها ، والله رفع عيسى عليهالسلام إلى السماء الرابعة لكون روحه عليهالسلام فائضا من روحانية الشمس ، ولم يعلموا لجهالتهم أنّ روح الله لا يمكن قتله. ولما تيقن حاله قبل الرفع قال لأصحابه : «إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماويّ» ، أي : أتطهر من عالم الرجس ، وأتصل بروح القدس الواهب الصور ، المفيض للأرواح والكمالات ، المربي للناس بالنفث في الروح ، فأمدّكم من فيضه. وكان إذ ذاك لا تقبل دعوته ولا يتبع مثله ، فأمر الحواريين بالتفرّق بعده في البلاد والدعوة إلى الحق ، فقالوا : كيف ذاك إذا لم تكن معنا؟ والآن أنت بين أظهرنا ولا تجاب دعوتنا؟ قال : «علامة إمدادي إيّاكم قبول الخلق دعوتكم بعدي». فلما رفع لم يدع أصحابه أحدا إلا أجابهم ، وظهر لهم القبول في الخلق ، وعلت كلمتهم ، وانتشر دينهم في أقطار الأرض. ولما لم يصل إلى السماء السابعة التي عرّج بمحمد صلىاللهعليهوسلم إليها ، المعبر عنها ب «سدرة المنتهى» أعني : مقام النهاية في الكمال ، ولم ينل درجة المحبة ، لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية ، يتبع الملّة المحمدية لنيل درجتها ، والله أعلم بحقائق الأمور.
[٥٩ ـ ٦٠] (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠))
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى) أي : إنّ صفته عند الله في إنشائه بالقدرة من غير أب (كَمَثَلِ آدَمَ) في إنشائه من غير أبوين. واعلم أنّ عجائب القدرة لا تنقضي ولا قياس ثمة على أن لتكوّن الإنسان من غير الأبوين نظيرا من عالم الحكمة ، فإن كثيرا من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقا في ساعة ، ثم تتناسل وتتوالد ، فكذا الإنسان ، يمكن حدوثه بالتولد في دور من الأدوار ، ثم بالتولد ، وكذا التكوّن من غير أب ، فإنّ منيّ الرجل أحرّ كثيرا من منيّ المرأة ، وفيه القوة العاقدة أقوى كما في الإنفحة بالنسبة إلى الجبن ، والمنعقدة في منيّ المرأة أقوى ، كما في اللبن فإذا اجتمعا تمّ العقد وانعقد ، ويتكوّن الجنين. فيمكن وجود مزاج إناثيّ قوي يناسب المزاج الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان ، فيكون المتولد في كليتها اليمنى بمثابة منيّ الذكر لفرط حرارته بمجاورة الكبد لمن مزاج كبدها صحيح قويّ الحرارة ، والمتولد في كليتها اليسرى بمثابة منيّ الأنثى فإذا احتملت المرأة لاستيلاء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر ، ومحاكاة الخيال ، ذلك كما قال