__________________
ومنها ما يفيد أن كل قوم يتبعون آلهتهم ، ثم يتجلى الله للمؤمنين فى صورة فيكشف عما شاء الله أن يكشف فيخرون سجدا إلا المنافقين فإنه يصير فقار أصلابهم عظما واحدا مثل صياصي البقر.
وهذه الروايات غريبة عن روح الإسلام وأصوله وقواعده وبعيدة عن نصوص بالقرآن الصريحة فى قوله ـ سبحانه ـ : (... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ...) ، (... لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ...) والله منزه عن مشابهة الحوادث ، أما النصوص التي يوهم ظاهرها مشابهته ـ سبحانه ـ للحوادث ففيها رأى السلف وهو أننا نؤمن بها كما وردت ونفوض حقيقة المراد منها إلى الله ـ تعالى ـ فنؤمن بأن لله وجها ويدا ونقطع بأن ذلك لا يشبهه بالحوادث ونفوض حقيقة المراد إلى الله ، وأما رأى الخلف فإنهم يؤولون هذه النصوص على نحو يليق بجلال الله ـ سبحانه ـ فيؤولون اليد بالقدرة ويؤولون الوجه بالذات.
وقد بين الإمام النووي أن الخلاف بين السلف والخلف ليس كبيرا فكلاهما منفقان على مخالفته ـ سبحانه وتعالى ـ للحوادث ولكن السلف شرحوا اللفظ ، والخلف حملوه على المعنى والتأويل ، ورأى السلف أسلم ، ورأى الخلف أحكم.
وأنت ـ أيها المؤمن ـ ما أحوجك إلى يقين صادق وإيمان ثابت بالله خالقا ، ورازقا ، سميعا ، مجهبا ، مقصودا فى الحوائج ، منزها عن النظر والمثيل ، بدون بحث فى كيفية الذات فقد أجاب القرآن عن حقيقة الله بسورة كاملة هي أساس التوحيد فقال سبحانه :
(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) سورة الإخلاص.
ولم يعرف عن الصحابة أنهم سألوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن معنى أى آية من الآيات المتشابهة ، مثل (... وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ...) سورة : الرحمن : ٢٧ ، (... يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ...) سورة الفتح : ١٠ ، (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) سورة طه : ٥. ولكنهم آمنوا بها واستقر الإيمان بالله فى قلوبهم ، واندفعوا إلى العمل بمقتضى هذا الإيمان.
ثم ظهر الخلاف فى فهم هذه النصوص فى العصور المتأخرة ودب الشقاق والفرقة بين الناس بسبب التفرق فى فهمها ، والقرآن روح. وحياة ، وذكر ، ورحمة ، والفرقة كفر : وشقوة ، وقد آن لنا أن نعود إلى فهم القرآن والاهتداء بهديه ، وأن نتجنب الخلافات المذهبية والسياسة ، وأن نكتفي بنعمة القرآن وروحه ففيها الشفاء والرحمة وأن نبتعد عن الانحرافات الدخيلة وعن شبه التجسيم والتشبيه وعما أورده المنحرفون من روايات وإسرائيليات غريبة عن روح هذا الدين.