ثم إنهم خرجوا تجارا إلى الشام واستبضعهم أهل مكة بضائعهم ، فقالوا لهم : أنتم على دين محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه فلا بأس عليكم فساروا وبلغ المسلمين «أمرهم» (١) ، فقال بعضهم لبعض : اخرجوا إلى هؤلاء فنقاتلهم ، ونأخذ ما معهم فإنهم تركوا دار الهجرة وظاهروا عدونا. وقال آخرون [٨١ ب] : ما حلت دماؤهم ولا أموالهم ولكنهم فتنوا ، ولعلهم يرجعوا للتوبة والنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ساكت ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ يخبر عن التسعة رهط ويعظ المؤمنين ليكون أمرهم جميعا عليهم. فقال الله ـ عزوجل ـ : (فَما لَكُمْ) صرتم («فِي الْمُنافِقِينَ» فِئَتَيْنِ) تختصمون (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) (٢) يعنى أضلهم فردهم إلى الكفر (بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن الهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ـ ٨٨ ـ ثم أخبر عن التسعة فقال ـ سبحانه ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) أنتم وهم على الكفر (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى حتى يهاجروا إلى دار الهجرة بالمدينة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) فإن أبوا الهجرة (فَخُذُوهُمْ) يعنى فأسروهم (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ) يعنى أين (وَجَدْتُمُوهُمْ) من الأرض فى الحل والحرم (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ـ ٨٩ ـ يعنى ولا ناصرا. ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) يعنى التسعة المرتدين (إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) يعنى عهد خزاعة وبنى خزيمة وفيهم نزلت (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣) إن وصل هؤلاء التسعة إلى أهل عهدكم وهم خزاعة منهم : هلال بن عويمر الأسلمى ، وسراقة بن مالك بن جشم
__________________
(١) أورد الواحدي فى أسباب النزول : ٩٦ ـ ٩٧ عدة آثار فى أسباب نزول الآية ، من بينها ما أورده مقاتل وعزاه الواحدي إلى مجاهد.
(٢) فى حاشية أ : مأخوذ من الركس ، وهو رجيع : أى روث الحيوان فكأنهم رجعوا إلى حالة شنبعة.
(٣) سورة التوبة : ٤.