ذكروا عن عبد الله بن عمرو قال : إنّ تحت بحركم هذا بحرا من نار ، وتحته بحر من ماء ، وتحته بحر من نار ، وتحته بحر من ماء ، حتّى عدّ سبعة أبحر من ماء ، وسبعة أبحر من نار. قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧). قوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) : وذلك أنّ المشركين قالوا : يا محمّد ، خلقنا الله أطوارا : نطفا ، ثمّ علقا ، ثمّ مضغا ، ثمّ عظاما ، ثمّ أنشأنا خلقا آخر ، كما تزعم ، وتزعم أنّا نبعث في ساعة واحدة. فأنزل الله جوابا لقولهم : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ ، إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، أي : إنّما نقول له : كن فيكون. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٨).
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : أي يدخل الليل في النهار ويدخل النهار في الليل ، وهو أخذ كلّ واحد منهما من صاحبه. قال : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) دائبين ، أي : يجريان (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : لا يقصّر دونه ولا يزيد عليه ، أي : إلى الوقت الذي يكون فيه ، فيذهب ضوءه. قال : (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٩).
قال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) : والحقّ اسم من أسماء الله (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) : يعني أوثانهم (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) : أي الأعلى ولا أعلى منه (الْكَبِيرُ) (٣٠) : أي لا أكبر منه.
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) : أي أنعم الله بها على خلقه (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) : أي جري السفن من آياته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣١) : وهو المؤمن. قوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) : أي كالجبال (١). وقال في آية أخرى : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) [هود : ٤٢]. وقال في آية أخرى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [الأعراف : ١٧١]. قال : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ:) [يعني
__________________
ـ أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٨ : «مجاز البحر ههنا الماء العذب ، يقال : ركبنا هذا البحر ، وكنّا في ناحية هذا البحر ، أي : في الريف ، لأنّ الملح في البحر لا ينبت الأقلام ...» ، وكأنّي بأبي عبيدة أغرق في النزع بتأويله هذا. فالبحر كناية عن المداد فقط ، يؤيّد هذا قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩] وما فسّر القرآن مثل القرآن.
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٢٨ : «واحدها ظلّة ، ومجازه : من شدّة سواد كثرة الماء ومعظمه». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٣٠ : «وقوله : (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد ، لأنّ الموج يركب بعضه بعضا ، ويأتي شيء بعد شيء فقال : (كَالظُّلَلِ) ، يعني السحاب».