وقائم لا بعمد ، ليس بجنس فتعادله الأجناس ، ولا بشبح فتضارعه الأشباح ، ولا كالأشياء فتقع عليه الصّفات ، قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراكه ، وتحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته ، وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الأذهان في لجج بحار أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء ، ومتملّك على الأشياء ، فلا دهر يخلقه ، ولا وصف يحيط به ، قد خضعت له رقاب الصّعاب في محلّ تخوم قرارها ، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها ، مستشهدا بكلّيّة الأجناس على ربوبيّته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدمته ، وبزوالها على بقائه ، فلا لها محيص عن إدراكه إيّاها ، ولا خروج عن إحاطته بها ، ولا احتجاب عن إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصّنع له آية ، وبتركيب الطّبع عليه دلالة ، وبحدوث الفطر عليه قدمة ، وبإحكام الصّنعة عليه عبرة ، فليس إليه حدّ منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولا شيء عنه بمحجوب ، تعالى عن ضرب الأمثال له والصّفات المخلوقة علوّا كبيرا ...
وحفل هذا المقطع من كلام إمام الموحّدين بتوحيد الله وتنزيهه عن كلّ صفة من صفات الممكن الذي هو عرضة للزوال والفناء ، وأنّه تعالى غير خاضع لأيّ حدّ ؛ سواء أكانت من حدود الموجودات الخارجية أم غيرها ، وأنّه تعالى بقدرته التي لا نهاية لها قد أحاط بكلّ شيء من مخلوقاته التي منها هذه المجرّات المذهلة التي تسبح بالفضاء ، فجلّت قدرته ، وتعالى أمره ، وجلّت عظمته.
إنّ هذه اللوحة من دعاء الإمام عليهالسلام من أجلّ وأسمى ما كتب ودوّن في علم التوحيد ، وتحليل هذه الكلمات ودراستها تستوعب صفحات كثيرة ، ويستمرّ الإمام