الناس رعة (١) سيّئة فقرأ هذه الآية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فقال : يا أيّها الناس ، من سرّه منكم أن يكون من تلكم الأمّة فليؤدّ شرط الله فيها. وتفسير عمرو عن الحسن في قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ٧١] أى : يأمرون بالإيمان بالله وينهون عن كفر به. ذكروا عن الحسن أنّه قيل له : ألا تخرج إلى الإمام فتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر؟ فقال : إنّما يعلّم من يرجى ، أو جاهل لا يعلم ، وأمّا من هو أقرأ منك وأعلم منك ، قد وضع سيفه حده ورهفه يقول : اتّقني اتّقني ، فما يوقفك فيه (٢)؟.
ذكروا عن الحسن أنّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يحلّ لمسلم أن يذلّ نفسه ، قيل : يا رسول الله ، وكيف يذلّ نفسه؟ قال : يتعرّض من البلاء لما لا يقوى عليه. ولا يقوم به (٣). ذكر أبو خمصة قال : قال لي أبو هريرة : هل تخشى أن تعيش في قوم لا ينكر خيارهم المنكر؟ قال : قلت : ما أولئك بخيار. قال : بلى ، ولكنّ أحدهم يكره أن يشتم عرضه ويضرب بشره.
قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٥) : هم أهل الكتاب. يقول : لا تفعلوا كفعلهم. ذكروا عن عطاء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لتتّبعنّ سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتّى لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه. قيل : يا رسول الله ، أهم اليهود والنصارى؟ قال : فمن إذا (٤)؟.
قوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ
__________________
(١) في ق وع : «دعة سيّئة» ، وفي د : «رغبة سيّئة» وفي كلّ تصحيف ، صوابه ما أثبتّه : «رعة» من الورع ، وهو الكفّ عن القبائح والتحرّج منها. يقال : فلان سيّئ الرّعة ، أى : قليل الحياء. وقال الأصمعيّ : «الرّعة الهدي وحسن الهيئة ، أو سوء الهيئة». انظر اللسان : (ورع).
(٢) في ق وع : «اتقي فيما يوقعك فيه» ، وفي د : «اتقي اتقي فما يوفقك فيه». وجاء في تفسير القرطبي ، ٤ / ٤٨ : «إنّما يكلّم مؤمن يرجى ، أو جاهل يعلّم ؛ فأمّا من وضع سيفه أو سوطه فقال : اتقني اتقني فما لك وله».
(٣) لم أجده فيما بين يديّ من كتب الحديث ، إلّا أنّ القرطبيّ ذكر في تفسيره أنّ الحديث رواه ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. انظر تفسير القرطبي ، ج ٤ ص ٤٨.
(٤) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام ، باب لتتبعن سنن الذين من كان قبلكم. ورواه مسلم في كتاب العلم ، باب اتّباع سنن اليهود والنصارى (٢٦٦٩) كلاهما يرويه عن أبي سعيد الخدريّ.