قوله : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ فيها ما تذكرون أنّه حرّمه عليكم ، إنّما حرّم عليكم ما حرّمتم ببغيكم وظلمكم.
قال : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩٤).
ثمّ قال : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) : أى أنّ إبراهيم كان مسلما (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) : والحنيف في تفسير الحسن : المخلص ، وفي تفسير الكلبيّ : المسلم ، وهو واحد. (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٩٥).
قوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) : قال الحسن : وضع للناس قبلة لهم. (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٩٦) : قال سعيد بن جبير : بكّت الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال في الطواف. وقال بعضهم : إن الله بكّ به الناس جميعا ، فتصلّي النساء أمام الرجال ، ولا يصلح ذلك ببلد غيره (١). ذكر بعضهم قال : البيت وما حوله بكّة ، وإنّما سمّيت بذلك لأنّ الناس يتباكّون فيها ويتزاحمون ، وأسفل من ذلك مكّة.
قوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) : قال الحسن : إنّ مقام إبراهيم من الآيات البيّنات. قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) : ذكروا عن الحسن وغيره قالوا : ذلك في جاهليّتهم ؛ لو أنّ رجلا جرّ كلّ جريرة ثمّ لجأ إلى الحرم ، لم يطلب ولم يتناول. فأمّا في الإسلام فإنّ الحرم لا يمنع من حدّ ؛ من قتل قتل ، ومن أصاب حدّا أقيم عليه.
وفي تفسير عمرو عن الحسن : إن أصاب رجل فيه حدّا ليس فيه قود ولا رجم أقيم عليه ، وإن كان فيه قتل أخرج من الحرم فقتل. وأمّا الحدود كلّها دون النفس فتقام عليه في الحرم.
ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : إذا أصاب الرجل حدّا ثمّ لجأ إلى الحرم لم يبايع ولم يجالس ، ولم يؤو حتّى يخرج من الحرم ؛ فإذا خرج من الحرم أقيم عليه.
قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) : ذكر الحسن أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، قول الله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ، أفي كلّ عام يا رسول الله؟ فسكت
__________________
(١) بكّ ، يبكّ ، بكّة : زحم ، وتباكّ الناس : ازدحموا. ويقال : بكّ عنقه أى دقّ عنقه ، وقيل : سمّيت مكّة بكّة لأنّها تدقّ أعناق الجبابرة. انظر اللسان : (/ بك ،) واقرأ تحقيقا لغويّا وافيا للفظ «بكّة» في تفسير الطبري ، ج ٧ ص ٢٣.