قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) : ذكروا أنّ شريحا والحسن قالا : الرهن بما فيه. ذكروا عن عليّ بن أبي طالب قال : يتراددان الزيادة والنقصان.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : الرهن لا يغلق من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه (١). ذكروا عن جابر بن زيد وأبي عبيدة أنّهما قالا : إن كان بأقلّ ممّا فيه فهو بما فيه ، وإن كان بأكثر ممّا فيه فإنّه يردّ الفضل.
قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) : يعني فإن كان الذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحقّ ، فلم يرتهن منه في السفر لثقته به وحسن ظنّه بوفاء الذي عليه ، قال : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) : أى ليؤدّ الحقّ الذي عليه إلى صاحبه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) : وكان الحسن يقول : نسخت هذه الشهادة ، أو قال : الكتاب والشهادة (٢).
قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) : أى عند الحاكم ، إذا دعي إليها فليقمها على وجهها. (وَمَنْ يَكْتُمْها) : فلا يشهد إذا دعي إليها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) : أى من كتمان الشهادة وإقامتها (عَلِيمٌ) (٢٨٣).
ذكر الحسن قال : سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يمنعنّ أحدكم مخافة الناس أن يقول الحقّ إذا شهده أو علمه (٣).
ذكروا عن الحسن عن النبيّ عليهالسلام مثل ذلك. قال الحسن : أما والله ما هو بالرجل
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ، وأخرجه الدارقطنيّ ، ج ٣ ص ٣٢ عن الزهريّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة مرفوعا ، وإسناده حسن متّصل ، ولفظه : «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه». وانظر بحثا قيّما في هذا الموضوع عند الجصّاص ، أحكام القرآن ج ٢ ص ٢٦٥ ، وفي تفسير القرطبي ج ٣ ص ٤١٣. وغلق الرهن أو غلوقه هو أن يملك المرتهن ما تحت يده من الرهن عند ما يحلّ الأجل ولا يجد الغريم ما يسدّد به الدين فيفكّ الرهن. وانظر البغوي ، شرح السنّة ، ج ٨ ص ١٨٤ ـ ١٨٦.
(٢) وقد استدلّ الشافعيّ بهذه الآية على أنّ أمر الله تعالى بالكتابة والإشهاد في آية الدين «دلالة على الحضّ ، لا فرض منه ، يعصي من تركه» فإنّ الله «أمر به على النظر والاختيار ، لا على الحتم». انظر الشافعي ، أحكام القرآن ، ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧.
(٣) أخرجه يحيى بن سلّام عن المبارك عن الحسن عن أبي سعيد الخدريّ مرفوعا. انظر : ز ، ورقة ٤١ ، وأخرجه الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة مرسلا في مسنده ، ج ٣ ص ١١ ، ما جاء في إنكار المنكر (٧٨٩).