السلف قال : لا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا ولا اعترافا (١). قال : ويقولون : إذا اعترفت اعترافا كان عليه في خاصّة ماله. ذكر بعضهم قال : ما فرض رسول الله فعلى العاقلة ، يعني بذلك الموضحة (٢) فما فوقها ؛ يقولون : لم يفرض رسول الله فيما دون الموضحة شيئا.
قوله : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : ذكر جابر بن زيد عن ابن عبّاس قال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ممّا كان فرض على بني إسرائيل في العمد ، إذ لم يحلّ لهم الدية.
ذكر بعض المفسّرين أنّ أهل التوراة كانوا أمروا بالقود ، وأنّ أهل الإنجيل أمروا بالعفو ، وجعل لهذه الأمّة إن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا عفوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية ، يعني إذا تراضوا عليها.
قوله : (وَرَحْمَةٌ) : أى رحيم بهذه الأمّة إذ أحلّ لهم الدية في القتل عمدا. (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٨) : يعني من قتل بعد أخذ الدية (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) : يعني القتل ؛ يقتله الوالي ولا ينظر في ذلك إلى عفو الوليّ.
ذكر بعضهم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية (٣). ذكر ذلك جابر بن عبد الله الأنصاري.
__________________
ـ بين يديّ من المصادر والمراجع. ومعناه ـ والله أعلم ـ أنّ العقل على العصبة في قتل الخطأ. وأمّا في قتل العمد فإنّ الدية تؤخذ من مال القاتل إذا صفح له عن القود ، وليس على العاقلة شيء ، إلّا إذا لم يف مال القاتل بالدية في بعض الأقوال. انظر ذلك عند أبي يوسف ، كتاب الخراج ص ٣٠٧ ـ ٣١٧ ؛ ففيه أنّ دية الخطأ وشبه العمد على العاقلة. أمّا الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان الشيء ويصيب غيره ، وأمّا شبه العمد فهو ما عرّفه الحديث : «قتيل السوط والعصا شبه العمد». وانظر كذلك الجصّاص أحكام القرآن ج ١ ص ١٩٥ ـ ١٩٦.
(١) زاد بعضهم : «ولا صلحا».
(٢) الموضحة : هي التي تكشف العظم بدون هشم له.
(٣) رواه أبو داود في سننه في كتاب الديات ، باب من يقتل بعد أخذ الدية (٤٥٠٧) عن جابر بن عبد الله ، وأورده ابن كثير في تفسيره ج ١ ص ٣٧١ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا. وأخرجه الطبريّ في تفسيره ج ٣ ص ٣٧٦ عن قتادة مرسلا. انظر تخريج الشيخ أحمد محمّد شاكر لهذا الحديث في تفسير الطبريّ في أسفل الصفحة ، تعليق : ٢.