يرد عليه بأن جعل الحكم الشّرعي مستلزم للتّسلسل ؛ بتقريب : أنّ التّجرّي أو العصيان قبيح عقلا على الفرض ، وقبحهما يستتبع الحرمة الشّرعيّة ، ومن المعلوم : أنّ عصيان هذه الحرمة أو التّجرّي فيها ـ أيضا ـ قبيح عقلا ، والقبح العقلي مستلزم للحرمة الشّرعيّة وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فحكم العقل بقبح العصيان والتّجرّي وبحسن الاطاعة والانقياد ، لا يستلزم حكما شرعيّا مولويّا ، بل لا يمكن جعل الحكم في مورده على ما عرفت ؛ ولذا حملوا الأوامر الشّرعيّة الدّالّة على وجوب الإطاعة والنّواهي الشّرعيّة الدّالّة على حرمة المعصية على الإرشاد دون المولويّ (١).
وفيه : أنّ هذا الكلام ، كما ترى ، خلط بين التّجرّي والفعل المتجرّى به ؛ إذ المفروض في الجهة الثّالثة من البحث ، كما عرفت ، هو كون القطع من العناوين المغيّرة الموجبة لصيرورة الفعل المتجرّى به قبيحا عقلا ، ثمّ يصير حراما شرعا بقاعدة الملازمة.
وعليه : فليس الكلام في قبح التّجرّي حتّى يسأل ويقال : هل هو مختصّ بعنوان التّجرّي ، أو عامّ شامل للمعصية ـ أيضا ـ وقد مرّ مرارا ، أنّ عدم جريان قاعدة الملازمة إنّما هو في التّجرّي ، حيث إنّه كالمعصية يكون قبحه في سلسلة المعلول ، كحسن الانقياد والإطاعة ، وجريان القاعدة فيها مستلزم للتّسلسل وعدم الوقوف إلى نهاية.
وأمّا الفعل المتجرّى به الّذي هو مورد البحث ، فلا مانع من جريان القاعدة فيه ، حيث إنّ قبحه يكون في سلسلة العلل ـ نظرا إلى أنّه لا قبح للمتجرّى به عقلا إلّا بحدوث مفسدة فيه بواسطة القطع ـ وأنت ترى ، أنّ جريانها في العلل لا يستتبع محذور التّسلسل.
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٢٧.