المقوّميّة والحاليّة ، كان التّمسّك بدليل الاستصحاب وهو قوله : «لا تنقض اليقين بالشّك» تمسّكا بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة له ، فلا يجري الاستصحاب.
هذا ، ولا يبعد دعوى كون المقام من قبيل مقوّمات الموضوع ، بل الظّاهر أنّه كذلك حسب العرف ، فلا يجري الاستصحاب فيه ، لكونه أشبه بالقياس ، كما أشار إليه الشّيخ الأنصاري قدسسره ، أو لا أقلّ من كونه من باب الشّكّ في المقوّميّة والحاليّة ، فلا يجري فيه الاستصحاب ـ أيضا ـ لكونه من قبيل التّمسّك بالعامّ في الشّبهة الموضوعيّة.
ثمّ إنّ المحقّق النّائيني قدسسره قد أشكل على استصحاب البراءة بوجه آخر ، محصّله :
أنّ الاستصحاب إنّما يجري فيما إذا كان الأثر المطلوب مترتّبا على الواقع المشكوك فيه ، لا على الشّكّ فيه ولا على الأعمّ من الواقع والشّكّ فيه ؛ إذ بعد كفاية مجرّد الشّكّ في ترتّب الأثر ، لا حاجة إلى إحراز واقع المستصحب بالاستصحاب ، بل لازم هذا الاستصحاب تحصيل ما هو حاصل وجدانا وعقلا ، بالتّعبّد والنّقل ، وهذا من أردإ أنحاء تحصيل الحاصل ، والمقام من هذا القبيل ، فلا يجري استصحاب عدم التّكليف قبل البلوغ لترتيب أثر عدم العقاب وإحرازه بالتّعبّد لترتّبه على مجرّد الشّكّ في التّكليف وإحرازه عقلا وبالوجدان ، بمعونة قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ونظير المقام ، التّشريع المحرّم بناء على كونه عبارة عن إدخال ما لم يعلم أنّه من الدّين في الدّين ، أو الأعمّ منه ومن إدخال ما ليس منه فيه ، ففيما شكّ كونه من الدّين ، لا يجري استصحاب عدم كونه من الدّين لإثبات حرمة الإسناد إلى الشّارع وإحرازها ؛ بداهة ، أنّ هذا الأثر مترتّب على مجرّد الشّكّ في كونه شيء من الدّين بلا حاجة إلى الاستصحاب المحرز له بالتّعبّد. (١)
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ١٢٩ و ١٨٦ و ١٨٧.