الجهة الثّالثة : أنّ الشّكّ في المانعيّة ، كالشّكّ في الجزئيّة والشّرطيّة ، فكما لو شكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته للصّلاة ـ مثلا ـ يتمسّك لرفعها ولتصحيح العبادة مع ترك مشكوك الجزئيّة أو الشّرطيّة ، بحديث الرّفع ، كذلك الأمر لو شكّ في مانعيّة شيء للصّلاة ، فيتمسّك لرفع المانعيّة وتصحيح العبادة المأتي بها مع مشكوك المانعيّة ، بالحديث ، أيضا.
والوجه في هذا التّعميم هو ما عرفت من حكومة الحديث على الأدلّة الأوّليّة ، كما لا يخفى ، فلا وجه للتّفرقة بين الموردين ، كما لا وجه للفرق في شمول الحديث للشّكّ في المانعيّة بين أن يكون الشّكّ فيها من قبيل الشّكّ في الموضوع ، نظير ما لو صلّى مع لباس شكّ في أنّه من مأكول اللّحم أو غيره أو أنّه من الميتة أو غيرها ، وبين أن يكون من قبيل الشّكّ في الحكم ، نظير ما لو صلّى مع عرق الجنابة من الحرام مع الشّكّ في مانعيّته عن الصّلاة.
هذا ، ولكن فرّق المحقّق الحائري قدسسره بين الشّكّ في الموضوع والشّكّ في الحكم ، بحيث التزم في الشّبهة الحكميّة بتصحيح العبادة ، تمسّكا بالحديث ما دام الشّكّ في المانعيّة باقيا ، وأمّا عند الالتفات والقطع بالمانعيّة أو قيام الحجّة المعتبرة عليها ، فحكم بوجوب القضاء أو الإعادة ، معلّلا بكونه مقتضى القاعدة في الأحكام الظّاهريّة ، وأنّه لا مجال للقول بتخصيص المانع بما إذا علمت مانعيّته ، وإلّا لزم اختصاص المانعيّة بالعالم بها وهو مستحيل ، وهذا بخلاف الشّبهة الموضوعيّة ، فإنّه قدسسره التزم فيها بتصحيح العبادة ، تمسّكا بالحديث مطلقا حتّى بعد الالتفات ، معلّلا بأنّ مقتضى رفع الآثار عن هذا المشكوك هو تخصيص المانع بما إذا علم أنّه من غير المأكول. (١)
__________________
(١) راجع ، درر الفوائد : ص ٤٤٥ و ٤٤٦.