الحقيقة ، فكأنه تعالى قال : لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به ، ولم يقص حلّ ما وراءه ، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحلّ
ومنها : معرفة اسم النازل فيه الآية ، وتعيين المبهم فيها ، ولقد قال مروان فى عبد الرحمن بن أبى بكر : إنه الذى أنزل فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) حتّى ردّت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها.
المسألة الثانية : اختلف أهل الأصول : هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟ والأصح الأول ، وقد نزلت آيات فى : أسباب ، واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار فى سلمة بن صخر ، وآية اللعان فى شأن هلال بن أمية ، وحدّ القذف فى رماة عائشة ، ثم تعدى إلى غيرهم.
ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال : خرجت هذه الآية ونحوها لدليل آخر ، كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك.
قال الزمخشرى فى سورة الهمزة : يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عامّا ، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح ، وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض.
المسألة الثالثة : تقدّم أن صورة السبب قطعية الدخول فى العام ، وقد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة وتوضع مع ما يناسبها من الآى العامة ، رعاية لنظم القرآن وحسن السياق ، فيكون ذلك الخاص قريبا من صورة السبب فى كونه قطعى الدخول فى العام ، مثاله : قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) إلى آخره ، فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود ، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر ، حرّضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبى ، صلىاللهعليهوسلم ، فسألوهم ، من أهدى سبيلا ، محمّد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا : أنتم ، مع علمهم بما فى كتابهم من نعت النبى ، صلىاللهعليهوسلم ، المنطبق عليه ، وأخذ المواثيق عليهم لا يكتموه. فكان ذلك أمانة لازمة لهم ، ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار : (أنتم أهدى سبيلا) حسدا للنبى صلىاللهعليهوسلم ، فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول المتوعد عليه المفيد الأمر بمقابلة المشتمل على أداء الأمانة ، التى هى ببيان