مباحة ، ويحتجان بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية ، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك ، وهو أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر : كيف يمن قتلوا فى سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر ، وهى رجس؟ فنزلت.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب ، وقد بين ذلك سبب النزول ، وهو أنه لما نزلت الآية التى فى سورة البقرة فى عدة النساء ، قالوا : قد بقى عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار ، فنزلت فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن فى العدّة ، وارتاب ، هل عليهن عدّة أو لا؟ وهل عدتهن كاللاتى فى سورة البقرة أو لا؟ فمعنى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إن أشكل عليكم حكمهن ، وجهلتم كيف يعتدون ، فهذا حكمهن.
ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلّى لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا ، وهو خلاف الإجماع ، فلما عرف سبب نزولها علم أنها فى نافلة السفر ، أو فمن صلّى بالاجتهاد وبان له الخطأ ، على اختلاف الروايات فى ذلك.
ومن ذلك قوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية ، فإن ظاهر لفظها لا يقتضى أن السعى فرض ، وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيته تمسكا بذلك ، وقد ردت عائشة على عروة فى فهمه ذلك بسبب نزولها ، وهو أن الصحابة تأثموا من السعى بينهما ، لأنه من عمل الجاهلية ، فنزلت.
ومنها : دفع توهم الحصر. قال الشافعى ما معناه فى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ، إن الكفار لما حرّموا ما أحل الله ، وأحلوا ما حرّم الله ، وكانوا على المضادة والمحادة ، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال : لا حلال إلا ما حرّمتموه ، ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول : لا تأكل اليوم حلاوة ، فتقول لا آكل اليوم إلا حلاوة ، والغرض المضادة لا النفى والإثبات على