أخمدوها. وإذا واجهوا ضالا أرشدوه ، أو غافلا ذكروه ، أو طالبا للوصول وصلوه ، يمشون فى الأرض بالنصيحة ، لا يخافون فى الله لومة لائم. أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأقسمن لكم : إنّ أحبّ عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، ويمشون فى الأرض بالنصيحة» أما كونهم يحببون الله إلى عباده ؛ فلأنهم يذكرون لهم آلاءه وإحسانه وبره. والنفس تحب بالطبع من أحسن إليها. وأما كونهم يحببون عباد الله إلى الله ؛ فلأنهم يردونهم عن غيهم وحظوظهم ، التي تبعدهم عن ربهم. فإذا رجعوا إليه أحبهم.
وسئل ذو النون المصري رضى الله عنه عن وصف الأبدال ، فقال : سألت عن دياجى الظلام ؛ لأكشف لك عنهم ، هم قوم ذكروا الله بقلوبهم ، تعظيما لربهم ؛ لمعرفتهم بجلاله ، فهم حجج الله تعالى على خلقه ، ألبسهم الله ـ تعالى ـ النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ عليهم من مخافته ، وطهّر أبدانهم بمراقبته ، وطيبهم بطيب أهل معاملته ، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤوسهم تيجان مبرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب ، فهى متعلقة بمواصلته ، فهممهم إليه ثائرة ، وأعينهم بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من رؤيته ، وأجلسهم على كراسى أطباء أهل معرفته ، ثم قال لهم : إن أتاكم عليل من فقدى فداووه ، أو مريض من فراقى فعالجوه ، أو خائف منى فانصروه ، أو آمن منى فحذّروه ، أو راغب فى مواصلتى فمنّوه ، أو راحل نحوى فزودوه ، أو جبان فى متاجرتى فشجعوه ، أو آيس من فضلى فرجّوه ، أو راج لإحسانى فبشروه ، أو حسن الظن بي فباسطوه ، أو محب لى فواصلوه ، أو معظم لقدرتى فعظموه ، أو مسىء بعد إحسانى فعاتبوه ، أو مسترشد فأرشدوه. ه.
وهذا بقدر الله ومشيئته ، كما قال تعالى :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩))
قلت : الاستثناء من ضمير «يزالون».
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) ، متفقين على الإيمان ، أو الكفران ، لكن مقتضى الحكمة وجود الاختلاف ؛ ليظهر مقتضيات الأسماء فى عالم الشهادة ؛ فاسمه : الرحيم والكريم يقتضى وجود من يستحق الكرم والرحمة ، وهم : أهل الإيمان. واسمه : المنتقم والقهار يقتضى وجود من يستحق الانتقام