ذات بينهم ما فى الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة بينهم ، (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) بقدرته البالغة ؛ فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء. (إِنَّهُ عَزِيزٌ) تام القدرة ، لا يعصى عليه ما يريده ، (حَكِيمٌ) يعلم كيف ينبغى أن يفعل ما يريده.
قيل : إن الآية نزلت فى الأوس والخزرج ، كان بينهم إحن وضغائن لا أمد لها ، ووقائع هلكت فيها ساداتهم ، فأنساهم الله ذلك ، وألفّ بينهم بالإسلام ، حتى تصادقوا وصاروا أنصار الدين. وبالله التوفيق.
الإشارة : وإن مالت النفس وجنودها إلى الصلح مع صاحبها ؛ بأن ألقت السلاح ، ومالت إلى فعل كل ما فيه خير وصلاح ، وعقدت الرجوع عن هواها ، والدءوب على طاعة مولاها ، فالواجب عقد الصلح معها ، وتصديقها فيما تأمر به أو تنهى عنه ، مما يرد عليها ، مع التوكل على مولاها ، فإن خدعت بعد ذلك ، أو رجعت إلى مألوفها ، فالله يكفى أمرها ، ويقوى صاحبها على ردها ، إما بسبب شيخ كامل ، أو أخ صالح ، فإن الصحبة فيها سر كبير ، لا سيما مع أهل الصفاء ، الذين صفت قلوبهم ، وألف الله بينهم بالمحبة والوداد ، وحسن الظن والاعتقاد ، وإما بسابق عناية ربانية وقوة إلهية. وبالله التوفيق.
ثم أمر نبيه بالاكتفاء بالله وعدم الالتفات إلى ما سواه ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤))
قلت : (حسبك) : مبتدأ ، و (الله) : خبر ، ويصح العكس ، و (من اتبعك) : إما عطف على (الله) ، أي : كفاك الله والمؤمنون ، أو فى محل نصب على المفعول معه ، أو فى محل جر ؛ عطف على الضمير ، على مذهب الكوفيين ، أي : حسبك وحسب من اتبعك الله ، والأول : أصح.
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) أي : كافيك الله ، فلا تلتفت إلى شىء سواه ، أي : لمّا مننت عليك بائتلاف قلوب المؤمنين فى نصرتك ، فلا تلتفت إليهم فى محل التوحيد ، فإنى حسبك وحدي بغير معاونة الخلق ، فينبغى أن تفرد القدم عن الحدوث فى سيرك منى إلىّ ، وأنا حسب المؤمنين عن كل ما دونى ، وإن كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا ، ولا ينبغى فى حقيقة التوحيد النظر إلى غيرى ، وإنما أيدتك بواسطة المؤمنين ، وذكرتهم معى ؛ تشريفا لأمتك ، وسترا لقدرتى ، وإظهارا لكمال حكمتى ، وإلا فقدرتى لا يفوتها شىء ، ولا تتوقف على شىء ؛ «جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل».
قال البيضاوي : نزلت الآية تأييدا فى غزوة بدر ، وقيل : أسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر رضى الله عنه ، فنزلت. ولذلك قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : نزلت فى إسلامه.