ولما سلمت عير قريش من النبي صلىاللهعليهوسلم ، ووقعت غزوة بدر ، وكان مات فيها صناديدهم ، حبس أبو سفيان ذلك المال ، وأنفقه فى حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله فى ذلك وفى غيره ، ممن أنفق فى إعانة الكفار على حرب المسلمين قوله :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا) بذلك (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، ويحاربون الله ورسوله. قيل : نزلت فى أصحاب العير ؛ فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم : أعينوا بهذا المال على حرب محمد ، لعلنا ندرك منه ثأرنا ، ففعلوا ، وقيل : فى المطعمين يوم بدر ، وكانوا اثنى عشر رجلا من قريش ، يطعم كل واحد منهم ، كل يوم ، عشر جزر ، وقيل : فى أبى سفيان ، استأجر ليوم أحد ألفين من العرب ، وأنفق عليهم أربعين أوقية.
قال تعالى : (فَسَيُنْفِقُونَها) بتمامها ، (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) يتأسفون على إنفاقها من غير فائدة ، فيصير إنفاقها ندما وغما ، لفواتها من غير حصول المقصود ، وجعل ذاتها تصير حسرة ، وهى عاقبة إنفاقها ؛ مبالغة.
قال البيضاوي : ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم فى تلك الحال ، وهو إنفاق بدر ، والثاني عن إنفاقهم فيما يستقبل ، وهو إنفاق غزوة أحد ، ويحتمل أن يراد بهما واحد ، على أن مساق الأول لبيان غرض الإنفاق ، ومساق الثاني لبيان عاقبته ، وهو لم يقع بعد. ه. قلت : وهذا الأخير هو الأحسن.
ثم ذكر وعيدهم فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : الذين ثبتوا على الكفر منهم ؛ إذ أسلم بعضهم ، (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) ؛ يضمون ويساقون ، (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ؛ الكافرين من المؤمنين ، أو الفساد من الصلاح ، أو ما أنفقه المشركون فى عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وما أنفقه المسلمون فى نصرته ، أي : حشرهم إليه ليفرق بين الخبيث والطيب ، (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ) أي : يجمعه ، أو يضم بعضه إلى بعض ، حتى يتراكموا من فرط ازدحامهم ، (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) كله ، (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الكاملون فى الخسران ، لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم ، والإشارة تعود على الخبيث ؛ لأنه بمعنى الفريق الخبيث ، أو على المنفقين ليصدوا عن سبيل الله. والله تعالى أعلم.