جمعوا بين تكذيب الآيات وظلم أنفسهم ، أو منقطعا عنها ، بمعنى : وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم ، فإن وباله لا يتخطاها ولذلك قدّم المفعول. ه.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، هو تصريح بأن الهدى والضلال بيد الله تعالى ، وأنّ هداية الله يخص بها بعضا دون بعض ، وأنها مستلزمة للاهتداء ، والإفراد فى الأول والجمع فى الثاني ؛ لاعتبار اللفظ والمعنى ، تنبيها على أن المهتدين كواحد ؛ لاتحاد طريقهم ، بخلاف الضالين. والاقتصار فى الإخبار عمّن هداه الله بالمهتدي : تعظيم لشأن الاهتداء ، وتنبيه على أنه ، في نفسه ، كمال جسيم ، ونفع عظيم ، لو لم يحصل له غيره لكفاه ، وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها. قاله البيضاوي.
الإشارة : فى الحديث : «أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه» (١). والعلم النافع هو الذي تصحبه الخشية والمراقبة والتعظيم والإجلال ، ويوجب لصاحبه الزهد والسخاء والتواضع والانكسار ، وهو علم التوحيد الخاص ، الذي هو مشاهدة الحق. وقال الورتجبي فى قوله : (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) : ذكر أنه تعالى أعطاه آياته ، ولو أعطاه قرب مشاهدته ما انسلخ منه ، لأن من رآه أحبه ، ومن أحبه استأنس به واستوحش مما سواه ، فمن ذلك تبين أنه كان مستدرجا بوجدان آياته ، وتصديق ذلك ما أخبر سبحانه من ارتداده عن دينه ، واشتغاله بهواه وعداوة كليمه بقوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) ، ولو ذاق طعم حبه لم يلتفت إلى غيره ، مكر به فى الأزل ، فكان مكره مستداما إلى الأبد ، فالكرامات الظاهرة عارضة للامتحان بين الأزل والأبد ، وعند الأصل القديم لا يعتبر العرض الطارئ. ه.
وقال فى الإحياء : إن بلعم أوتى كتاب الله تعالى فأخلد إلى الشهوات ، فشبه بالكلب ، أي : سواء أوتى الحكمة أو لم يؤتها فهو يلهث إلى الشهوات. ه. وفى ذكر قصته تحذير لعلماء هذه الأمة وصلحائها. وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه : من أخلدت نفسه إلى أرض الشهوات ، وغلبته عن النهوض إلى الطاعات ، فدواؤه فى حرفين ، أحدهما : أن يذكر منّة الله عليه بنعمة الإيمان والإسلام ، ويقيد هذه النعمة بالشكر ، لئلا تفلت من يده ، والثاني : أن يتوجه إلى الله بالتضرع والاضطرار ، آناء الليل والنهار ، وفى رمضان راجيا الإجابة ، قائلا : اللهم سلّم سلّم. فإن أهمل هاتين الخصلتين فالشقاوة لازمة له. ه. بالمعنى لطول العهد به. وبالله التوفيق.
__________________
(١) أخرجه البيهقي فى الشعب (باب فى نشر العلم ـ ح ١٧٧٨) وزاد السيوطي فى الجامع الصغير (ح ١٠٥) عزوه لابن عدى فى الكامل والطبراني فى الصغير عن أبى هريرة ، وضعّفه.