المحمدية ـ دون سائر الأمم ـ وراثة عن نبيهم صلىاللهعليهوسلم ، فإنه خص بالرؤية دون غيره من الأنبياء. وإلى ذلك أشار ابن الفارض فى تائيته ، مترجما بلسان الحقيقة المحمدية ، حيث قال :
ودونك بحرا خضته ، وقف الألى |
|
بساحله ، صونا لموضع حرمتى |
ولا تقربوا مال اليتيم إشارة |
|
لكف يد صدّت له ، إذ تصدّت |
وما نال شيئا منه غيري سوى فتى |
|
على قدمي فى القبض والبسط ما فتى |
قال شارحه القاشاني : أراد بهذا البحر : الرؤية التي منع منها موسى عليهالسلام ، وخص بها محمد ـ عليه الصلاة السلام ـ وأفراد من أتباعه. ثم قال : ورد فى الخبر : أنه لما أفاق موسى عليهالسلام من صعقته قيل له : ليس ذلك لك ، ذلك ليتيم يأتى من بعدك ، ثم قال : سبحانك تبت إليك عما تعديت لما ليس لى ، وأنا أول المؤمنين بتخصيص محمد صلىاللهعليهوسلم بهذا المقام. ه.
وقيل فى قوله : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أي : جبل العقل ، بحيث طمس نوره بنور شمس العرفان ، وخر موسى صعقا ، أي : ذهب وجوده فى وجود محبوبه ، وحصل له الزوال فى مكان الفناء والسكر ، فلما أفاق ورجع إلى البقاء تمسك بمقام العبودية والأدب مع الربوبية فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من رؤية جبل الحس قبل شهود نور المعنى ، وأنا أول المؤمنين بأن نور المعاني خلف رداء الأوانى ، لا يدرك إلا بعد الصعقة ، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر نزول التوراة ، فقال :
(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧))