بعثوا له أهمه ذلك ، واستحيا أن يكلمهم فيه ؛ مخافة أن يظنوا به ثقل مقامهم ، فعلم المغنيتين بيتين من الشعر ، وأمرهما أن تغنيا به وهما :
ألا يا قيل ويحك ، قم ، فهينم |
|
لعلّ الله يسقينا الغماما |
فيسقى أرض عاد ، إنّ عادا |
|
قد امسوا لا يبينون الكلاما |
فلما غنيتا به أزعجهم ذلك ، فقال مرثد : والله لا يسقون بدعائكم ، ولكن إن أطعتم نبيكم ، وتبتم إلى الله ، سقيتم ، فقالوا لمعاوية : احبسه عنّا ، لا يقدمنّ معنا مكة ؛ فإنه فد اتبع دين هود ، وترك ديننا ، ثم دخلوا مكة ، فقال قيل : اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم ، فأنشأ الله سحابات ثلاثا ؛ بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السماء : يا قيل ؛ اختر لنفسك ولقومك. فقال : اخترت السوداء ؛ فإنها أكثرهن ماء ، فخرجت إلى عاد من وادي المغيث ، فاستبشروا بها ، وقالوا : هذا عارض ممطرنا ، فجاءتهم ، فيها ريح عقيم ، فأهلكتهم ، روى أنها لما قربت من ديارهم حملت أنعامهم فى الهواء ، كأنها جراد ، فاستمرت عليهم سبع ليال وثمانية أيام ، شدخت رؤوسهم إلى الحجارة حتى هلكوا جميعا ، ونجا هود والمؤمنون معه ، فأتوا مكة وعبدوا الله حتى هلكوا. قاله البيضاوي وغيره.
وهاهنا بحث ؛ وهو أن البيت إنما بناه إبراهيم عليهالسلام حسبما فى الصحيح ، ولم تعمر مكة إلا بعد إنزال إسماعيل فيها ، وهود كان قبل إبراهيم ، والبيت حينئذ خرب ، كان خربه الطوفان ، فكيف يتوجهون إليه وهو لم يكن؟.
ويمكن الجواب : بأنهم كانوا يلتجئون إلى رسومه وخربته التي بقيت بعد الطوفان ؛ لأن أول من بناه آدم عليهالسلام فلما خربه الطوفان بقي أثره ، فكانوا يتبركون به ، وفى بعض التواريخ : أن العماليق بنوه قبل إبراهيم ، فكانوا يطوفون به ويتبركون ، ثم هدم ، وبناه بعدهم خليل الله إبراهيم. وبهذا ـ إن صح ـ يزول الإشكال. والله تعالى أعلم. وأما من قال : إن هودا تعدد ، فغير سديد.
الإشارة : قد تضمنت موعظة هود عليهالسلام لقومه خصلتين ، بهما النجاة من كل هول وشر ، والفوز بكل خير ، وهما : التوحيد والتقوى ، وهى الطاعة لله ولرسوله فيما جاء به من أمر ونهى. فالتوحيد تطهير الباطن من الشرك الجلى والخفي ، والتقوى : حفظ الجوارح من المخالفة فى السر والعلانية ، وهاتان الخصلتان هما أساس الطريق ونهايته. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة صالح عليهالسلام ، فقال :