قلت : (ثم) : هنا للترتيب الإخبارى ، وقال ابن جزى : هذه الوصية قديمة لكل أمة على لسان نبيها ، فصح الترتيب. وقال البيضاوي : (أو) : للتفاوت فى الرتبة ، كأنه قيل : ذلكم وصاكم به قديما وحديثا ، ثم أعظم من ذلك : أنا آتينا موسى الكتاب ... إلخ. وهو عطف على (وصاكم) ، و (تماما ، وتفصيلا) : حالان ، أو علتان ، أو مصدران.
يقول الحق جل جلاله : (ثُمَ) نخبرك أنا (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ؛ التوراة ، (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) القيام به من بنى إسرائيل ، ويدل عليه قراءة : (أحسنوا) ، أي : تماما للنعمة على العاملين به ، أو تماما على موسى الذي أحسن القيام به ، أي : آتيناه الكتاب تفضلا وإتماما للنعمة ؛ جزاء على ما أحسن من طاعة ربه وتبليغ رسالته ، ففاعل أحسن : ضمير موسى. أو : (تَماماً) أي : إكمالا على ما أحسن الله به إلى عباده ، فالفاعل على هذا : ضمير الله تعالى ، (وَتَفْصِيلاً) أي : تبيينا (لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاجون إليه فى الدين. (وَهُدىً) أي : هداية للظواهر ، (وَرَحْمَةً) للقلوب ، (لَعَلَّهُمْ) أي : بنى إسرائيل ، (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) للجزاء ، (يُؤْمِنُونَ) إيمانا صحيحا ، وهو اللقاء بالأجسام والأرواح ، والنعيم أو العذاب للأشباح. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كل من أحسن عبادة ربه فى الظاهر ، وحقق عبوديته فى الباطن ، أتم الله عليه نعمته بشهود ذاته وأنوار صفاته ، ووهب له علوما لدنية تفصل له ما أشكل ، يكون له هداية لزيادة الترقي ، ورحمة يتهيأ بها قلبه لوحى الإلهام والتلقي. وبالله التوفيق.
ثم ذكر فضل كتابه العزيز ، فقال :
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))
قلت : (أن تقولوا) : مفعول له ، أي : كراهة أن تقولوا.
يقول الحق جل جلاله : (وَهذا) القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كثير النفع (فَاتَّبِعُوهُ) فى الأصول والفروع ، (وَاتَّقُوا) الشرك والمعاصي ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ببركة اتباعه ؛ فتحيا به قلوبكم ، وتنتعش به