الإشارة : الإعراض عن الخلق والاكتفاء بالملك الحق ركن من أركان الطريق ، قال الشيخ زروق رضى الله عنه : أصول الطريقة خمسة أشياء : تقوى الله فى السر والعلانية ، واتباع الرسول فى الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار ، والرجوع إلى الله فى السراء والضراء ، والرضا عن الله فى القليل والكثير. ه.
ثم نهى عن التعرض لأصنامهم ، فقال :
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَسُبُّوا) أصنامهم (الَّذِينَ) يدعونها آلهة ، ويخضعون لها (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ولا تذكروا آلهتهم بسوء ، (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) أي : ظلما وتجاوزا عن الحق إلى الباطل ، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : على جهالة بالله تعالى ، وبما يجب أن يذكر به من التعظيم ، روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يطعن فى آلهتهم ، فقالوا : لتنتهين عن آلهتنا أو لنهجون إلهك ، فنزلت. وقيل : كان المسلمون يسبون آلهتهم ، فنهوا ؛ لئلا يكون سبهم سببا لسب الله تعالى ، واستدل المالكية بهذا على سد الذرائع. قال البيضاوي : وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت لمعصية راجحة وجب تركها ، فإنّ ما يؤدى إلى الشر شر. ه. وقال ابن العربي : وقاية العرض بترك سنة واجب فى الدنيا. ه.
قال تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) من الخير والشر ، نحملهم على ما سبق لهم توفيقا أو تخذيلا ، أو يكون مخصوصا بالشر ، أي : زيّنا لكل أمة من الكفرة عملهم السوء ؛ كسب الله تعالى وغيره من الكفر ، (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الخير فيجازيهم عليه ، أو من الشر فيعاقبهم عليه.
الإشارة : العارف الكامل لا ينقص شيئا من مصنوعات الله ، ولا يصغر شيئا من مقدورات الله ، بل يتأدب مع كل شىء ؛ لرؤية صنعة الله فى كل شىء ، وكذلك المريد اللبيب ، يتأدب مع كل من ظهر بالخصوصية فى زمنه ، كان صادقا أو كاذبا ؛ لئلا يؤدى إلى تنقيص شيخه ، حين يذكر غيره بنقص أو غض. وفى الحديث : «لعن الله من يسبّ والديه ، فقالوا : وكيف يسبّ والديه يا رسول الله؟ قال : يسبّ أبا الرجل فيسب الرجل أباه وأمه» (١) أو كما قال صلىاللهعليهوسلم.
ثم ردّ عليهم فى اقتراح الآيات ، فقال :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الأدب ، باب : لا يسب الرجل والديه) ومسلم فى (الإيمان ، باب : بيان الكبائر) عن عبد الله بن عمرو.
ولفظ البخاري : «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه».