(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بالشرك وغيره (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، وهذه مبالغة أخرى فى قطع أطماعهم ، وتعريض لهم بأنهم عصاة ، مستوجبون للعذاب ، (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) ذلك العذاب ، (يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة ، (فَقَدْ رَحِمَهُ) أي : نجاه ، وأنعم عليه ، (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي : وذلك الصرف أو الرحمة هو الفلاح المبين.
ثم ذكر حجة أخرى على استحقاقه للعبادة والولاية ، فقال : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) كمرض أو فقر ، (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) ؛ إذ لا يقدر على صرفه غيره ، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) ؛ بنعمة ، كصحة وغنى ومعرفة وعلم ، (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، فهو قادر على حفظه وإدامته ، ولا يقدر أحد على دفعه ، كقوله تعالى : (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (١) ، (وَهُوَ الْقاهِرُ) لجميع خلقه ؛ كلهم فى قبضته ، (فَوْقَ عِبادِهِ) بهذه القهرية والغلبة والقدرة ، (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى صنعه وتدبيره ، (الْخَبِيرُ) بخفايا أمور عباده ، لا يخفى عليه شىء من أحوالهم الباطنة والظاهرة.
الإشارة : فى الآية حضّ على محبة الحق ، وولايته على الدوام ، ورفض كل ما سواه ممن عمّه الفقر من الأنام ، وفيها أيضا : حث على المسابقة إلى الخيرات ، والمبادرة إلى الطاعات ، اقتداء بسيد أهل الأرض والسموات ، فكان ـ عليه الصلاة السلام ـ أول من عبد الله ، وأول من توجه إلى مولاه ، قال تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٢) ، فلو جاز أن يتخذ ولدا ، لكنت أنا أولى به ، لأنى أنا أول من عبده.
قال الورتجبي : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أي : أمرنى حين كنت جوهر فطرة الكون ـ حيث لم يكن غيرى فى الحضرة ـ أن أكون أول الخلق فى المحبة والعشق والشوق ، وأول الخلق له منقادا بنعت محبتى له ، راضيا بربوبيته ، غير منازع لأمر مشيئته. وقال بعضهم : أكون أول من انقاد للحق إذا ظهر. ه.
ولما قالت قريش للنبى صلىاللهعليهوسلم : يا محمد : لقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ، فأرنا من شهد لك؟ أنزل الله تعالى :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ...)
قلت : (قل الله شهيد) : يحتمل المبتدأ والخبر ، أو يكون (الله) خبرا عن مضمر ، أو مبتدأ حذف خبره ، و «شهيد» : خبر عن مضمر ، أي : قل هو الله ، أو الله أكبر شهادة ، وهو شهيد بينى وبينكم ، و (من بلغ) : عطف على مفعول ، «أنذر» ، أي : لأنذركم يا أهل مكة ، وأنذر من بلغه القرآن ، وحذف مفعول (بلغ).
__________________
(١) من الآية : ١٠٧ من سورة يونس.
(٢) من الآية : ٨١ من سورة الزخرف.