يقول الحق جل جلاله : فإذا فرغتم من الصلاة (فَاذْكُرُوا اللهَ) فى جميع أحوالكم (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) إن أردتم حراسة قلوبكم ، والنصر على عدوكم ، أو إذا أردتم قضاء الصلوات وأداء فرضها ، وأنتم فى المعركة ، فصلوا كما أمكنكم ، (قِياماً) راجلين أو على خيولكم إيماء ، وحلّ للضرورة حينئذ مشى وركض وطعن وعدم توجه ، وإمساك ملطخ ، وتنبيه وتحذير ، هذا للصحيح ، (وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) ، للمريض أو الجريح ، هكذا قال جمهور الفقهاء فى صلاة المسايفة (١). وقال أبو حنيفة : لا يصلى المحارب حتى يطمئن.
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) وذهب الخوف عنكم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) على هيأتها المعلومة ، واحفظوا أركانها وشروطها ، وأتوا بها تامة ، (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : فرضا محدود الأوقات ، لا يجوز إخراجها عن وقتها فى شىء من الأحوال. قال البيضاوي : وهذا دليل على أن المراد بالذكر الصلاة ، وأنها واجبة الأداء ، حال المسايفة ، والاضطراب فى المعركة ، وتعليل للأمر بالإتيان بها ، كيف أمكن.
الإشارة : إذا فرغتم من الصلاة الحسية ، فاستغرقوا أحواكم فى الصلاة القلبية ، حتى تطمئن قلوبكم فى الحضرة القدسية ، فإذا اطمأننتم فى الحضرة ، فأقيموا صلاة الشهود والنظرة ، وهى الصلاة الدائمة ، قال تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ). وقال الورتجبي : إذا كنتم فى حالة التمكين وامتلأتم من أنوار ذكره ، فينبغى أن تخرجوا من أبواب الرخص ، والاستراحة فى سعة الروح ، وترجعوا إلى مقام الصلاة ، فإن آخر سيركم فى ربوبيتى : أول بدايتكم فى عبوديتى. ه.
ثم حذرهم من الوهن فى أمر الجهاد ، فقال :
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))
قلت : الوهن : الفشل والضعف.
يقول الحق جل جلاله : ولا تضعفوا فى طلب (الْقَوْمِ) ، أي : الكفار ، فتجاهدوهم فى سبيل الله ، فإن الحرب دائرة بينهم وبينكم ، قد أصابهم مثل ما أصابكم ، فإن (تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) ، أي : تتوجعون من الجراح ، (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) ، وأنتم ترجون من الله النصر والعز فى الدنيا ، والدرجات العلا فى الآخرة ، وهم لا يرجون
__________________
(١) المسايفة : المبارزة بالسيوف.