كلمة
أ. د. / جودة محمد أبو اليزيد المهدى
عميد كلية القرآن الكريم بطنطا
الحمد لله الذي أنزل من حضرة ربوبيته على قلب أعظم رسله هذا القرآن العظيم ، هدى ونورا ، وجعله معجزة المعجزات ، وجامع حقائق حضرات الذات والصفات والأسماء والأفعال ، فسطرت فيه أسرار الوجود تسطيرا.
والصلاة والسلام على أكمل خلق الله ، سيدنا محمد ، الذي تجلى عليه مولاه باسم (الرحمن) ، فعلّمه القرآن ، وأرسله بالحق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وورثته القرآنيّين ، الذين أشربوا حب القرآن ، وتدبروا آياته ، وغاصوا فى بحار معانيه ، واستخرجوا جواهر حقائقه ، ودرر أسراره ، فنالوا فضلا كبيرا. رضى الله عنهم ، وسلك بنا مسلكهم ، وحشرنا فى زمرتهم ، ولقّانا بهم نضرة وسرورا.
أما بعد :
فقد أدرك الفقهون عن الله تعالى أن ذروة الفضل ، وذؤابة الشرف ، وجوهر السعادة فى التعلق بكتاب الله تعالى ، الذي هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وهو مأدبة الله تعالى ، ودستوره الخالد ، والمحيط الجامع لأنواع العلوم والمعارف ، والمنهاج الأعظم للتربية والتحقق ، ومن ثمّ تبتلت قلوبهم فى محراب التنزيل ، وعكفوا على تدبر آياته واستكناه أسراره لاستخلاص حقائق الوجود من مشكاة عرفانه.
لقد أذعنوا لقول الحق تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١). ولقوله عز من قائل : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٢). وأيقنوا بمقولة حبر الأمة ، سيدنا عبد الله بن عباس ـ رضى الله تعالى عنهما ـ : «جمع الله فى هذا الكتاب علوم الأولين وعلوم الآخرين ، وعلم ما كان وعلم ما يكون ، والعلم بالخالق ـ جل جلاله ـ فى أمره وخلقه» (٣).
وقد تعددت وتنوعت منازع ومناهج المشتغلين بتفسير كتاب الله تعالى.
__________________
(١) سورة الأنعام / ٣٨.
(٢) سورة النحل / ٨٩.
(٣) انظر : جامع الأصول لابن الأثير : ٨ / ٤٦٤ : حديث رقم / ٦٢٣٣.