ذلك ، فحقكم أن تكونوا أصبر وأرغب فى الجهاد منهم ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأعمالكم وضمائركم ، (حَكِيماً) فيما يأمركم به وينهاكم.
الإشارة : لا تهنوا عن طلب الظفر بنفوسكم ، ولا تفشلوا عن السير إلى حضرة ربكم ، فإن كنتم تألمون حال محاربتها ومخالفة شهواتها ، فإنها تألم مثلكم ، ما دامت لم ترتض فى حضرة ربكم ، فإذا ارتاضت وتحلت صار المر عندها حلوا ، وذلك إنما يكون بعد موتها وحياتها ، فدوموا على سياستها ورياضتها ، فإنكم ترجون من الله الوصول ، وبلوغ المأمول ، وهى ترجو الرجوع إلى المألوفات وركوب العادات ، فاعكسوا مراداتها ، حتى تطمئن فى حضرة ربها ، فتأمن غوائلها ، فليس بعد الوصول رجوع ، ولا إلى العوائد نزوع ، والله غالب على أمره.
ثم ذكر ما يتعلق بحفظ اللسان ، وهو الأمر الخامس من مضمون السورة ، فقال :
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩))
قلت : أرى ، هنا عرفانية ، لا علمية ، فلذلك لم تتعد إلى ثلاثة.
يقول الحق جل جلاله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين همّ أن يخاصم عن طعمة بن أبيرق ، وذلك أنه سرق درعا من جاره قتادة بن النعمان ، فى جراب دقيق ، فجعل الدقيق يسقط من خرق فيه ، وخبّأها عند يهودى ، فالتمس الدرع عند طعمة ، فلم توجد ، وحلف ما أخذها ، وما له بها علم ، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها ، فقال اليهودي : دفعها إلىّ طعمة ، وشهد له ناس من اليهود ، فقال رهط طعمة من بنى ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنسأله أن يجادل عن صاحبنا ، وقالوا : إن لم يفعل هلك وافتضح ، وبرئ اليهودي ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتمادا على ظاهر الأمر ، ولم يكن له علم بالواقعة ، فنزلت الآية :