صلاة الخوف عشرة أقوال على حسب الأحاديث النبوية ، لأنها تعدّدت منه صلىاللهعليهوسلم ، فكل واحد أخذ بحديث ، وما قاله مالك والشافعي هو الذي فعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى غزوة ذات الرقاع.
ثم أمر الطائفة الحارسة بأخذ السلاح ، والحذر من العدو فقال : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) ، ثم ذكر علّة الحذر فقال : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي : تمنوا أن ينالوا منكم غرة ، فيشدون عليكم شدة واحدة فيستأصلونكم.
روى أن المشركين لما رأوا المسلمين صلوا صلاة الظهر ندموا أن لو كانوا أغاروا عليهم فى الصلاة ، ثم قالوا : دعوهم فإن لهم صلاة هى إليهم أحب من آبائهم وأبنائهم ـ يعنون صلاة العصر ـ ، فلما قام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لصلاة العصر نزل جبريل بصلاة الخوف.
ثم رخّص لهم فى وضع السلاح ، لعذر فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي : لا إثم (إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) منهم بالحراسة. روى أنها نزلت فى عبد الرحمن بن عوف ، مرض فوضع سلاحه ، فعنّفه أصحابه ، فنزلت الآية.
ثم هوّن شأن الكفار بعد أن أمر بالحذر منهم فقال : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) فى الدنيا والآخرة.
قال البيضاوي : وعد المؤمنين بالنصرة على الكفار ، بعد الأمر بالحذر ، ليقوى قلوبهم ، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لضعفهم وغلبة عدوهم ، بل إن الواجب أن يحافظوا فى الأمور على مراسم التيقظ والتدبير. ه.
الإشارة : إذا كنت فى جند الأنوار ، وأحدقت بك حضرة الأسرار ، ثم نزلت إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فلتقم طائفة من تلك الأنوار معك ، لتحرسك من جيش الأغيار وجند الأكدار ، حتى يكون رجوعك إلى الآثار مصحوبا بكسوة الأنوار وحلية الاستبصار ، فيكون رجوعك إليها بالله لا بنفسك ، فإذا سجد القلب فى الحضرة كانت تلك الأنوار من ورائه والأسرار من أمامه ، (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ، ولتأت طائفة أخرى لم تصل هذه الصلاة ؛ لأنها لم تبلغ هذا المقام ، فلتصل معك اقتباسا لأنوارك ، لكن تأخذ حذرها وتستعد من خواطر الأشغال ، كى لا تميل عليهم فتفتنهم عن الحضور مع الكبير المتعال ، فإن كان مريض القلب بالهوى وسائر العلل ، فلا يكلف من الحضور إلا ما يطيقه ، لأن القط لا يكلف بحمل الجمل. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ما يعين على الحضور ، ويتحصن به من العدو الكفور ؛ وهو ذكر الله ، فقال :
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣))