قال الورتجبي : الفضل والرحمة منه للعموم ، ومحبته للخصوص ، الذين هم مستثنون بقوله : «إلا قليلا». ه. قال القشيري : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) مع أوليائه لهاموا فى كل واد من التفرقة كأشكالهم فى الوقت. ه. فخصّ الإشارة بالأولياء ، وعليه فقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) أي : إلا تفرقة قليلة تعرض لهم ، تربية لهم ، وإبقاء لرسمهم ومناط تكليفهم. والله تعالى أعلم. قاله فى الحاشية.
ولا يظهر هذا كله إلا بالجهاد الأكبر والأصغر ، كما قال تعالى :
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦))
قلت : (نفسك) : مفعول ثان ، والأول نائب ، أي : لا يكلفك الله إلا نفسك.
يقول الحق جل جلاله : (فَقاتِلْ) يا محمد (فِي سَبِيلِ اللهِ) ولو وحدك إن تثبطوا عن الجهاد ، لا نكلفك إلا أمر نفسك ، (وَ) لكن (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) على الجهاد ، إذ ما عليك إلا التحريض. فجاهدوا حتى تكون كلمة الله هى العليا. (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَ) بجهادكم (بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ويبطل دينهم الفاسد. (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) منهم (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) أي : تعذيبا لهم. وقد حقّق الله ذلك ففتح الله على نبيه قبائل العرب ، فلم يبق فيهم مشرك ، ثم فتح على الصحابة سائر البلاد ، وهدى الله بهم جميع العباد ، إلا من فرّ من الكفار إلى شواهق الجبال.
وإنما أمرتك بالتحريض على الجهاد ؛ لأن الدال على الخير كفاعله ، وذلك كالشفاعة بين الناس ودلالتهم على إصلاح ذات البين ، فمن (يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) بأن ينفع المشفوع له ، بدفع ضرر أو جلب نفع ، ابتغاء وجه الله ، (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) ، أي : حظ كبير من الثواب ؛ لأنه دل المشفوع عنده على الخير ، وأوصل النفع إلى المشفوع له ، فله من الأجر مثل ما لهما ، ومنها : الدعاء بظهر الغيب ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : «من دعا لمسلم بظهر الغيب استجيب له ، وقال له الملك : لك مثل ذلك».
(وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) ، يريد بها فسادا بين الناس ؛ كنميمة وزور وإحداث بدعة ، (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ) أي : نصيب (مِنْها) أي : من وزرها ، وفى الحديث : «من سنّ سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم