روى جابر بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوسلم أقام أياما لم يطعم الطعام ، فقام فى منازل أزواجه ، فلم يصب عندهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال : «يا بنية ، هل عندك شىء؟» فقالت : لا والله ، بأبى أنت وأمي ، فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم ، بعثت إليها جارتها برغيفين وبضعة لحم ، فبعثت حسنا وحسينا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجاء ، فكشفت له الجفنة ، فإذا الجفنة مملوءة خبزا ولحما ، فبهتت ، وعرفت أنّها بركة من الله تعالى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أين لك هذا يا بنيّة؟» قالت : و (مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، فحمد الله تعالى ، وقال : «الحمد لله الّذى جعلك شبيهة بسيّدة بنى إسرائيل ، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا قالت : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ثم بعث النبي صلىاللهعليهوسلم إلى علىّ رضي الله عنه. ثم أكل أهل البيت كلهم ، وجميع أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبقيت الجفنة كما هى ، فأوسعت على الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيرا. انتهى (١).
الإشارة : (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) ، إنما اصطفى الحق تعالى هؤلاء الرسل ؛ لكونهم قد أظهروا الدين بعد انطماس أنواره ، وجددوه بعد خمود أسراره ، هم أئمة الهدى ومقتبس أنوار الاقتداء ، فكل من كان على قدمهم من هذه الأمة المحمدية ، بحيث يجدد للناس دينهم ، ويبين للناس معالم الطريق وطريق السلوك إلى عين التحقيق ، فهو ممن اصطفاه الله على عالمى زمانه.
وفى الحديث : «إنّ الله يبعث على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لهذه الأمة دينها». قال الحريري : (مات الحسن البصري عشية جمعة ـ أي : بعد زوالها ـ فلما صلى الناس الجمعة حملوه ، فلم يترك الناس صلاة العصر فى مسجد الجماعة بالبصرة منذ كان الإسلام ، إلا يوم مات الحسن ، واتبع الناس جنازته ، فلم يحضر أحد فى المسجد صلاة العصر ، قال : وسمعت مناديا ينادى : (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) ، واصطفى الحسن على أهل زمانه). قلت : والحسن البصري هو الذي أظهر علم التصوف ، وتكلم فيه وهذبه. قال فى القوت : وهو إمامنا فى هذا العلم ـ يعنى علم التصوف.
وقوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) ... الآية. كلّ من نذر نفسه وحررها لخدمة مولاه ، تقبلها الله منه بقبول حسن ، وأنبت فيها المعرفة نباتا حسنا ، وكفلها بحفظه ورعايته ، وضمها إليه بسابق عناية ، ورزقها من طرف الحكم وفواكه العلوم ، مما لا تحيط به العقول وغاية الفهوم ، فإذا قال لنفسه : من أين لك هذا؟ (قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). وأنشدوا :
فلا عمل منّى إليه اكتسبته |
|
سوى محض فضل ، لا بشىء يعلّل |
وقال القشيري : قوله تعالى : (فتقبلها ربها بقبول حسن) ، يقال : من القبول الحسن أنه لم يطرح كلّها وشغلها على زكريا ، فكان إذا دخل عليها زكريا ليتعاهدها بطعام وجد عندها رزقا ، ليعلم لعالمون أن الله ـ تعالى ـ لا يلقى شغل
__________________
(١) إلى هنا ينتهى السقط المشار إليه سابقا فى النسخة التيمورية.