قلت : (قفينا) : أتبعنا ، و (عيسى) عجمى معدول عن أيشوع فى لغة السريانية ، وهو غير منصرف للعلمية والعجمة ، و (مريم) : بمعنى الخادم ، ووزنه : مفعل لا فعيل ، و (أيدناه) أي : قويناه ونصرناه ، و (روح القدس) هنا جبريل عليهالسلام أي : الروح المقدسة ـ من إضافة الموصوف إلى الصفة ـ ، سمى به لطهارته من كدر الحس.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى) التوراة ، فما قمتم بحقها ولا عملتم بما فيها ، واتبعنا بعده الرسل كلما مات رسول بعثنا بعده آخر اعتناء بكم ، (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) المعجزات الواضحات كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار بالمغيبات ، والإنجيل ، (وَأَيَّدْناهُ) بجبريل عليهالسلام كان يسير معه حيث سار ، ورفعه إلى السماء حين أردتم يا معشر اليهود قتله ، (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) من مشاق الطاعات وترك الحظوظ والشهوات ، (اسْتَكْبَرْتُمْ) وامتنعتم من الإيمان به (فَفَرِيقاً) منهم كذبتموه كعيسى وسليمان ومحمد ـ عليهمالسلام ـ ، (وَفَرِيقاً) تقتلونه كزكريا ويحيى ـ عليهماالسلام ـ؟ قال القشيري : أصغوا إلى الداعين بسمع الهوى ، فصار معبودهم صفاتهم وهواهم. ه ـ.
الإشارة : كل ما قاله الحق جل جلاله لبنى إسرائيل فى فحوى الخطاب يقوله لهذه الأمة فى سرّ الخطاب ، فلقد آتانا الكتاب ، وبيّن فيه الرشد والصواب ، وقفّى بعد إنزاله بعلماء أتقياء ، وأولياء أصفياء ، يحكمون بحكمه ، ويهدون بهديه ، فإذا أمروا بالزهد فى الدنيا وترك الحظوظ والهوى رفضوهم وكذبوهم ، وربما كفّروهم وقتلوهم ، واستكبروا عن الإذعان لهم والانقياد لقولهم ، ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون.
وفى الحديث قال صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه ، فقالوا : من يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : نعم .. ومن إذن؟» أي : ومن تتبعون إلا هم؟. فالدعاة إلى الله لا ينقطعون ما دام الدين قائما ، فقوم يدعون إلى أحكام الله ، وقوم يدعون إلى معرفة الله ، فالأول : العلماء ، والثاني : الأولياء ، فإذا أمروا بالخروج عن العوائد والشهوات ، رموهم بسهام العتاب والمخالفات ، إذ لم يأت أحد بمثل ما جاءوا به إلا عودى ، إلا من خصته سابق العناية ، وهبت عليه ريح الهداية ، فيتبع آثارهم ، وقليل ما هم.
ثم ذكر الحق تعالى مقالتهم الشنيعة ، فقال :
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨))
قلت : (غلف) : جمع أغلف ، كأحمر وحمر ، وأصفر وصفر ، وهو الذي عليه غشاوة ، أي : هى فى غلاف ؛ فلا تفقه ما تقول ، بمنزلة الأغلف ، وهو غير المختون ، وقيل : أصله (غلف) بضم اللام ، وبه قرأ ابن محيصن.