فيكون جمع غلاف ، كحجاب وحجب ، وكتاب وكتب ، ومعناه : قلوبنا أوعية لكل علم فلا نحتاج إلى علمك وكتابك. و (قليلا) صفة لمحذوف ؛ أي : فإيمانا قليلا ، أو عددا قليلا يؤمنون ، أو ظرف ؛ لأنه من صفة الأحيان ، والعامل فيه ما يليه ، و (ما) لتأكيد القلة ، أي : فى قليل من الأحيان يؤمنون ، أو حال من الواو فى (يؤمنون) أي : فيؤمنون فى حال قلتهم.
يقول الحق جل جلاله : قالت اليهود استهزاء بما تدعوهم إليه : (قُلُوبُنا) مغلفة ومغشاة فلا نفقه ما تقول ، أو أوعية للعلوم فلا تحتاج إلى علمك ، قال الله تعالى : (بَلْ) لا غطاء على قلوبهم حسا ، بل هى على الفطرة لكن (لَعَنَهُمُ اللهُ) وطردهم وخذلهم بسبب (بِكُفْرِهِمْ) فأبطل استعدادها للعلم ، (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) أي : فإيمانا قليلا يؤمنون كإيمانهم ببعض الكتاب ، أو فلا يؤمن إلا قليل منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ، والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا أمر الدعاة إلى الله أهل الدنيا بذبح النفوس وحط الرءوس ودفع النفوس ، ليتأهلوا به لدخول حضرة القدوس ، أو أمروهم بخرق العوائد ، لتخرق لهم العوائد (١) ، أنفوا وعنفوا وقالوا : قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه ، فيقال لهم : بل سبق لكم من الله البعد والحرمان ، فأنكرتم أسباب الشهود والعيان ، لكن من سبقت له من الله العناية ، وهبّ عليه نسيم الهداية ، فلا تضره الجناية ، فقد يلتحق بالخصوص ، وإن كان من أعظم اللصوص ، وهو قليل بالنسبة إلى من جاهد نفسه فى طلب السبيل ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً).
ثم وبخهم ولعنهم على عدم الإيمان بالقرآن مع إقرارهم به قبل الإتيان ، فقال :
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩))
قلت : (لمّا) حرف وجود لوجود إذا وليها الماضي ، ولها شرط وجواب ، وهو هنا محذوف دل عليه جواب (لما) الثانية ، أي : ولما جاءهم كتاب من عند الله كفروا به ، أو (لما) الثانية تأكيد للأولى. والجواب : (كفروا به) ، أو فلما وجوابها جواب الأولى ، كقوله (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ ...) الآية ، و (يستفتحون) ينتصرون ، وفى الحديث : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين» ، الذين لا مال لهم.
__________________
(١) خرق العوائد الأولى هى خرق الحجب ، من غفلة وظلمة قلب ، وغير ذلك ، وقد يعنى بها الكرامات ، وخرق العوائد الثانية هى خرق ما تعودته النفس وألفته حتى صعب خروجها عنه ، ككثرة الأكل والشرب ، وحب الجاه والرئاسة والمدح.