وقال أيضا :
إن كان سفك دمى أقصى مرادكم |
|
فما غلت نظرة منكم بسفك دمى |
وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه : (لا يدخل على الله إلا من بابين ، أحدهما : الموت الحسى ، وهو الموت الطبيعي ، والآخر : الموت الذي تعنيه هذه الطائفة). ه. وهو موت النفوس ، فمن لم تمت نفسه لم تحيى روحه.
وقال بعض العارفين : (لا يحصل الدخول على الله حتى يموت أربع موتات : موت أحمر ، وموت أسود ، وموت أبيض ، وموت أخضر. أما الموت الأحمر فهو مخالفة الهوى ، وأما الموت الأسود فهو تحمل الأذى ، وأما الموت الأبيض فهو الجوع ـ أي : المتوسط ـ وأما الموت الأخضر فهو لبس المرقعات ، وطرح الرقاع بعضها على بعض).
قلت : ورأس الهوى وعنصره هو حب الجاه وطلب الرئاسة. فمن نزل إلى أرض الخمول ، وخرق عوائد نفسه فيه ، انخرقت له الحجب ، ولاحت له الأنوار ، وأشرقت عليه الأسرار فى مدة قريبة ، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم وبخهم الحق تعالى على طلب الرؤية قبل إبانها ، وقبل تحصيل شروطها ، فقال :
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦))
قلت : (جهرة) : مصدر نرى ؛ لأنه نوع منه ، أي : نرى الله رؤية عيان ، أو حال من الفاعل ؛ أي : نراه معاينين له ، أو من المفعول ؛ أي : نراه معاينة.
يقول الحق جل جلاله : واذكروا أيضا ، يا بنى إسرائيل ، حين قلتم لموسى عليهالسلام لما رجع من الطور ، ووجدكم قد عبدتم العجل ، فأخذ منكم سبعين رجلا ممن لم يعبد العجل ، وذهب يعتذر ، فلما سمعتم كلامى أنكرتموه وحرفتموه ، وقلتم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أن هذا كلام الله (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) بسبب طلبكم ما لا طاقة لكم به ، فغبتم عن إحساسكم ، وذهبت أرواحكم ، (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ما فعل بكم ، فاستشفع فيكم موسى عليهالسلام وقال : يا (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) ، كيف أرجع إلى قومى بغير هؤلاء؟ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) ، وعشتم زمانا بعد ذلك (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعمة ، وتقومون بحسن الخدمة ، فتقروا بربوبيتي ، وتصدقوا برسلى ، فلم تفعلوا.