يقول الحق جل جلاله : واذكروا يا بنى إسرائيل حين (قالَ) موسى (لِقَوْمِهِ) لما رجع من الطور ، ووجدهم قد عبدوا العجل : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) وبخستموها (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلاهكم ، (فَتُوبُوا إِلى) خالقكم الذي صوركم فى أحسن تقويم ، (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بهدم هذه البنية التي ركبتها فى أحسن صورة ، فبخستموها ، ولم تعرفوا قدرها ، فعبدتم أبلد الحيوان ، الذي هو البقرة. من لم يعرف حق النعمة فحقيق أن تسترد منه.
فذلكم القتل والمبادرة إلى التوبة (خَيْرٌ لَكُمْ) عند خالقكم ، لأنه يفضى إلى الحياة الدائمة والبهجة السرمدية ، فلما صعب عليكم القتل ؛ للشفقة على الأخ أو القريب ، ألقينا عليكم ضبابة حتى أظلم المكان ، فاقتتلتم من الغداة إلى العشى ، فدعا موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ بالكشف عنهم ، فرفعت السحابة ، وقد قتل سبعون ألفا ، ففعلتم ذلك القتل ، فتاب الحق تعالى عليكم ، فقبل توبة من بقي منكم ، وعفا عمن مات ؛ (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي : كثير التوفيق للتوبة ، أو كثير قبولها ، الرحيم بعباده المؤمنين.
الإشارة : ما قاله سيدنا موسى عليهالسلام لقومه ، يقال مثله لمن عبد هواه ، وعكف على متابعة دنياه : يا من بخس نفسه بإرخاء العنان فى متابعة هواها ، حتى حرمها من مشاهدة جمال مولاها ، تب إلى ربك ، وانتبه من غفلتك ، واقتل نفسك بمخالفة هواها ، فلعلها تحيا بمشاهدة مولاها ، فما دامت النفس موجودة ، وحظوظها لديها مشهودة ، وآمالها ممدودة ، كيف تطمع أن تدخل حضرة الله ، وتتمتع بشهود جماله وسناه؟!
إن ترد وصلنا فموتك شرط |
|
لا ينال الوصال من فيه فضله (١) |
وقال الحلاج فى هذا المعنى :
لم أسلم النفس للأسقام تتلفها |
|
إلّا لعلمى بأنّ الوصل يحييها |
وقال أيضا :
اقتلوني يا ثقاتى |
|
إنّ فى قتلى حياتى |
وحياتى فى مماتى |
|
ومماتى فى حياتى |
أنا عندى : محو ذاتى |
|
من أجلّ المكرمات |
وبقائى فى صفاتى |
|
من قبيح السيّئات |
__________________
(١) البيت للششترى.