وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١) أخذ الوصف فعلا في هذا الباب أبلغ من الإسم بوجه ، وقوله : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ، أي يجري فيهم ما أجراه فيكم من شؤون الحياة جمعا وفرادى ، فكما أفاض عليكم جميع ما يستعدّه وجودكم وتأليف طبائعكم من الإستكمال في الحياة الدنيا ، فكذا في كلّ أمة من أمم الدوابّ والطيور ، فبينها نظام تكويني ونظام اعتباري ، (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) بمنع ما يستحقه شيء بحسب فطرته والبخل عمّا يسأله بحسب جبلّته ، كما قال سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢) وقال سبحانه : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) أي طريق غير مختلف ولا متخلّف.
فإذا كان الأمر على هذا وجميع الإنسان والحيوان امم متماثلة ، فكلّ إلى ربّهم يحشرون ، إذ هو الآخذ لما أعطيت من الحياة والوجود ، وفي الآية التفات بتبديل الغيبة إلى الخطاب ، فإنّ الآية السابقة قطعت خطاب النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ لهم بالإعراض.
قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ)
فهم (صُمٌ) لعدم استماع الدعوة و (بُكْمٌ) لعدم التفوّه بكلمة الحق ، وقوله : (فِي الظُّلُماتِ) ، بمنزلة العمى ، ولم يصرّح به إذ لم يسبق المقام إلّا عدم وصول الدعوة إليهم وعدم استجابتهم ، فليس للبصر هناك حظّ حتى ينسب إليهم
__________________
(١). الطارق (٨٦) : ١١ ـ ١٢.
(٢). هود (١١) : ٦.
(٣). هود (١١) : ٥٦.