العمى ، لكن اشير إليه ضمنا ، فما ألطفه من سياق ، وهذه الدعوى وهي دعوى الصمم والبكمة أوجب ثانيا الإلتفات من الخطاب إلى الغيبة ، فإنّ الأصمّ الأبكم لا مطمع في خطابه مع أنّ الآية من تمام الآية السابقة.
وملخّص المعنى أنّ كلّ طائفة من طوائف دوابّ الأرض ومنهم الناس ، وطوائف الطير أمة متماثلة لغيرها أمر حياتها وتدبيرها إلى ربّها في الدنيا محشورة إلى الله ، والمكذّبون بالآيات من بين جميعهم صمّ وبكم في الظلمات فهم لا يعلمون. فتكون في معنى قوله سبحانه : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (١) وقوله سبحانه : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢).
قوله سبحانه : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ)
في مقام التعليل لقوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ، لأنّ الصمم والبكمة والظلمة وخلافها صور الإضلال والهداية الإلهيتين ، وسيجيء بعض الكلام فيه في قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) (٣) من هذه السورة.
وفي تفسير القمي : عن أبي حمزة ، قال : سألت أبا جعفر ـ عليهالسلام ـ عن الآية ، فقال أبو جعفر ـ عليهالسلام ـ : نزلت في الذين كذّبوا بأوصيائهم ، صمّ بكمّ كما قال الله : (فِي الظُّلُماتِ) ، من كان من ولد إبليس فإنّه لا يصدّق
__________________
(١). الأنفال (٨) : ٢٢ ـ ٢٣.
(٢). الأنفال (٨) : ٥٥.
(٣). الأنعام (٦) : ١٢٥.