قال سبحانه : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (١).
ولهذا الذي ذكرناه عقيب قوله سبحانه : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) بقوله سبحانه : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، فأخذ بوصف التقوى ، ثمّ عقّبه بقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ). وقرء بالياء وهو أنسب بالسياق ، فإنّ التكلّم مع المشركين بطريق الغيبة.
وبالجملة ؛ فالناس في هذا المسمى ـ لعبا ولهوا ـ على ثلاث طبقات : الأولياء ، ومثلهم مثل العاقل يتّخذ اللعب لغرض صحيح عقلائي ، والمؤمنون ، ومثلهم مثل الصبي يلعب على ما يختاره له وليّه العاقل ، وسيجد فائدة لعبه من حيث لا يشعر ، وغير المؤمنين ، ومثلهم مثل الصبي يلعب بما بدا له من غير رؤية ونظر ، وسيعود صفر الكفّ ، ولم يبق له إلّا التعب البدني وفوت الوقت وعتاب الولي ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
فالسراب أرض سبخة ملحة ينعكس عندها أشعة البصر إلى خضرة الجو فيلمع كالماء فما يناله البصر حقيقة من الحقائق ، غير أنّ الإنسان يحكم بأنه ماء بحكم الشبه ، وهذا هو الخيال ، وهذا حال الدنيا عندها حقيقة ينالها الإنسان ، لكنّه يحكم بما ليس له وهو الخيال ، وهو ما يرى من استقلال الأسباب ويقصد بها معاني ليس لها إلّا الوهم ، فظهور هذه الحقيقة الظاهرة هو الدنيا ، وحقيقة هذا الظاهر هي الآخرة ، فمن اغترّ بالظاهر احتجب عن الباطن وضلّ سعيه في الحياة ، ومن أراده لباطنه فقد أخذ لآخرته متاعا حسنا ، قال علي ـ عليه أفضل السلام ـ : «الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها» ، (٢) وقال ـ أيضا ـ فيما يصف به الدنيا :
__________________
(١). الكهف (١٨) : ٧.
(٢). نهج البلاغة : ٥٥٧ ، قسم الحكم ، رقم ٤٦٣.