فيها كلّ طرف من الطرفين على الآخر شيئا ، وأما المورد الذي لا يملك عليه شيء فلا معنى لإيجاب شيء عليه ولا لإلزامه بشيء ، فإن أعطى فبكرمه ورحمته ، وإن منع فهو الغنيّ الحميد.
نعم ، ما وعده سبحانه لعباده وقضى به على نفسه فهو واقع لا محالة وقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١) ، وهو مع ذلك لا يخرج عن ملكه ، فإنّ الايجاب وجعل الشيء محقق الوقوع لا بدّ منه هو نحو ملك ونوع تصرف ، فافهم ذلك.
ومن هنا يظهر معنى قوله : (فَسَأَكْتُبُها) ، والكتابة هنا هي القضاء.
قوله سبحانه : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ)
الرسول : هو الحامل للرسالة وهو والمرسل بمعنى واحد وإنّما يتفاوتان تفاوت الصفة المشبّهة واسم المفعول في الدلالة على الثبوت والتجدّد ، والنبي هو من استقرّ فيه النبأ عن الله تعالى ، ولذا قيل : إنّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، فالنبي هو الذي عنده الخبر عن الله تعالى سواء أمر بالتبليغ أو لم يؤمر ، والرسول خصوص المأمور بالتبليغ منهم.
هذا ، لكن الآية تنافيه ، فقوله : (يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ) ، حينئذ يشتمل على اتباع الوصف الخاصّ بالوصف العام من غير نكتة ظاهرة وبلاغة الكلام تأباه ، وكذا قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (٢) ، مع أنّ الكلام مسوق للتجليل ومقتضاه التدرج من العامّ إلى الخاصّ دون
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٩.
(٢). مريم (١٩) : ٥١.