العكس ، وأصرح منهما في التنافي قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (١) ، فإنّ ظاهر الآية أنّ النبي المذكور فيها غير الرسول وهو مع ذلك مرسل مثل الرسول ، فلا يصحّ الفرق بأنّ الرسول يتميز عن النبي بأنّه المأمور بالتبليغ ، على أنّا لم نعثر فيما بلغنا من قصص الأنبياء على نبي غير مرسل ولا مأمور بالتبليغ.
وكيف كان ، فالنبوّة بحسب المعنى غير الرسالة ، كما أنّ الآية الأخيرة تدلّ على أنّ النبيّ ربما كان غير الرسول ، والرسول بحسب معناه يدلّ على وجود مرسل إليه وعلى امر هو الرسالة وعلى غيبة وحجاب بين المرسل ـ بصيغة الفاعل ـ والمرسل إليه ، فللمرسل بصيغة المفعول مع المرسل بصيغة الفاعل مقام ليس لغيره فإنّه واسطة ، وللواسطة مع كلّ من الطرفين حكم ليس للآخر ، وأما النبيّ بمعنى من استقرّ فيه النبأ الإلهي فمعناه لا يوجب وساطة وارتباطا ، فمن الجائز أن يكون هذا النبأ مما لا نصيب للمرسل إليه فيه ولا لغير النبيّ فيه حظّ.
وهذا المعنى وإن كان من فروق النبوة والرسالة ، لكنّه غير مقصود في مثل قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) (٢) ، فإنّ ظاهر الآية هو التفرقة بينهما مع كونهما جميعا مرسلين مبعوثين إلّا أن يكون عطف النبي على الرسول يوجب قصد معنى من الإرسال يناسب الرسول والنبي معا من الكلام.
ولذا فسّر جمع من المفسرين قوله : (أَرْسَلْنا) (٣) ، في الآية بمعنى بعثنا ، فالأولى حينئذ أن يقال : إنّ النبي من استقرّ عنده النبأ الإلهي والخبر الغيبي سواء
__________________
(١). الحج (٢٢) : ٥٢.
(٢). الحج (٢٢) : ٥٢.
(٣). الحج (٢٢) : ٥٢.