يَتَّقُونَ) ، فقيد بالتقوى.
فهذه استجابة لبعض دعوته من حيث إطلاق كلامه ، وبعبارة أخرى استجابة للدعاء وتأديب بأدب الدعاء أن تطابق الدعاء مع الضمير ، فمساق الكلام مساق ما نقله عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).
فان قلت : الذين يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون بآيات الله يستحقون منه سبحانه الرحمة جزاء لأعمالهم الحسنة والعقل حاكم بذلك ، فما معنى استجابة الدعوة بالرحمة في حقهم ، فإنّ ما لا بدّ منه لا يصحّ سؤاله ولا استجابة مسألته إذا سئل وهو ظاهر.
قلت : هو كقوله في آخر آل عمران حكاية لدعاء أولي الألباب : (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) (٢) ، إلى أن قال : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (٣).
والوجه في ذلك : أنّ الله سبحانه حيث كان هو المالك على الإطلاق لا يملك أحد منه شيئا في حال من ثواب أو رحمة أو حسنة أو غير ذلك فلا يجب لأحد عليه شيء حتى يلزم به ، فما يحكم العقل بوجوبه وما لا يحكم بوجوده سيّان بالنسبة إليه تعالى يصحّ فيهما المسألة والإستجابة جميعا ، وأمّا حكم العقل بوجوب جزاء الإحسان بالإحسان فإنّما في موارد الأفعال العقلائية التي يملك
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٢٤.
(٢). آل عمران (٣) : ١٩٣.
(٣). آل عمران (٣) : ١٩٥.