الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (١).
وما ألطف قوله سبحانه : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) مع قوله : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فافهم ذلك وما ألطف أيضا قوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا) مع قوله : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) والآيتان إذا وضعتا بهذا الترتيب انتج معنى ، وإذا وضعتا بالعكس ، فقدّمت قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) مع قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، انتج معنى آخر ، وهو أنّ الله سبحانه معبود على كل حال.
وقد تقدم في تفسير الفاتحة أنّ لله سبحانه طريقان : صراط مستقيم ممدوح قريب وصراط بعيد غير مستقيم ، فراجع ، وسيجيء له توضيح إن شاء الله.
وثاني الولايتين : الولاية في أمر هداية الناس من افتراض الطاعة ، ودعوة الرسالة وهداية الإمامة ، وقد مرّ بعض ما يتعلّق بها في قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) (٢) من سورة البقرة ، وتبيّن أنّ ظاهر الهداية وافتراض الطاعة لا يكون إلّا عن عصمة ولا تكون إلّا عن حقيقة الولاية في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) من سورة آل عمران ، وتبيّن بذلك أنّ هذا القسم الثاني لا يتحقّق إلّا مع الأول من القسمين من غير عكس.
وفي التوحيد عن الصادق ـ عليهالسلام ـ ، في قوله سبحانه : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ) (٤).
قال عليهالسلام : «إنّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ، ولكنّه خلق أولياء
__________________
(١). الكهف (١٨) : ٢٨.
(٢). البقرة (٢) : ١٢٤.
(٣). آل عمران (٣) : ١٠١.
(٤). الزخرف (٤٣) : ٥٥.