إلهي! هب لي كمال الإنقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النّور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك (١) ، الدعاء.
وقد مرّ في الكلام على الذكر في قوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢) من سورة البقرة بعض ما يتعلّق بالمقام.
وبالجملة ، فهؤلاء عند ربّهم لا يذكرون إلّا إيّاه وهم عن غيره غافلون ، وهذا يخصّهم من الكرامة ببابين آخرين :
أحدهما : إنّه سبحانه يتولّى أمرهم في أفعالهم وأوصافهم ، إذ إنّهم فقدوا أنفسهم التي كانوا يشاهدونها بالإستقلال ، وصاروا لا يذكرون إلّا ربّهم ، فليس مبدء أفعالهم ولا أوصافهم إلّا ربّهم ، وليس ذلك من الجبر في شيء ، ولا بالحلول والإتّحاد بمرتبط فافهمه أو دعه ، وفي الأخبار والأدعية ونحوها من ذلك شيء كثير.
وثانيهما : إنّهم إذ تمكّنوا عند ربّهم لم يحجبوا عنه ، فلم يحجبوا عن كلّ ما عنده ، قال تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ) (٣) ، وقال : (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (٤) وقال : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٥) وقال : (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (٦) ، وقال : (إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٧).
__________________
(١). إقبال الأعمال : ٦٨٧.
(٢). البقرة (٢) : ١٥٢.
(٣). آل عمران (٣) : ١٥.
(٤). الزخرف (٤٣) : ٣٥.
(٥). البقرة (٣) : ٦٢.
(٦). المؤمنون (٢٣) : ١١٧.
(٧). السجدة (٣٢) : ١٢.