كمثل الحريق يبدأ من نويرة ، ثمّ تأخذ في الاتّساع حتى تستوعب المكان فتكون بلوى ، وهذا حال المؤمن إذا أراد أن يهاجر إلى ربّه بدليل المحبّة الإلهية ، وراحلته اتّباع الرسول فيما آتاه لقوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (١) ، يأخذ في تهذيب نفسه في أوصافها وأفعالها على بصيرة حسبما يفسّرها الدين الحنيف ، ويدعو إليها كتاب الله وسنة رسوله ـ صلىاللهعليهوآله ـ غير أن عامّة الوعد والوعيد ، والإنذار والتبشير تتبدّل في حقّه كما مرّ ، فلا يريد إلّا وجه الله سبحانه.
ولئن تذكّرت ما قدّمناه في قوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) (٢) ، من سورة البقرة وجدت أنّ هذا المسلك هو المسلك الثالث من مسالك تهذيب الأخلاق الثلاثة في الإسلام ، وأوّل ما يطلع عليه من طلائع الحب أنّ نفسه تأخذ في الإنصراف عن زخارف الدنيا والإقبال إلى الحياة التي عند الله سبحانه فيجد الحياة الدنيا على نظامها وجهاتها بناء مشيّدا على أساس تعارفات ورسومات لا تزيد على الوهم والخيال ، ولعبا ولهوا تشتغل ، بها أبنائها وترتضيها طلّابها وحقّت عنده كلمة ربّه ، (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (٣) ، وقوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) (٤) ، وقوله : (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) (٥) ، ثم إذا سمع قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٣١.
(٢). البقرة (٢) : ١٥٦.
(٣). محمد (٤٧) : ٣٦.
(٤). الكهف (١٨) : ٧.
(٥). النور (٢٤) : ٣٩.